الأحد، 12 أغسطس 2012

الدولة الايرانية "الاسلامية" والمسألتان... المذهبية السنّية والقومية

المستقبل
يبلغ عدد المسلمين السنة في ايران، اليوم، نحو 11 – 12 مليوناً، هم قرابة 15 في المئة من الـ75 مليون ايراني الذين تعدهم رسمياً جمهورية ايران الاسلامية في (2010). فهم الاقلية الدينية الاولى في ايران، الدولة "الاسلامية" بحسب المادة الـ12 من دستورها، وعلى خلاف نص الدستور في مادته الـ13 على أن الزرادشت واليهود والمسيحيين "هم وحدهم الاقليات الدينية المعترف بها". وعلى هذا، فالمسلمون السنة هم مسلمون، على دين ايران "الرسمي". ولكنهم ليسوا على "المذهب الجعفري الاثني عشري". ويقر لهم القانون الاساسي بـ12 نائباً في مجلس الشورى من 270، أي نحو 4.5 في المئة، رفعهم في انتخابات ربيع 2012 الى 17 نائباً من اصل 290 نائباً، أي نحو 6 في المئة او اقل بقليل.

وأهل السنة في ايران ليسوا قوماً او جماعة على حدة. فهم ليسوا احد الاقوام الايرانية او الاعراق الثمانية المعروفة، ولا يقيمون بناحية من انحاء ايران دون غيرها، ولا يقتصرون على شعب من شعوبها. وهم غالبون غلبة تكاد تكون كاملة على البلوش (1.9 في المئة من السكان ونحو 3 ملايين ايراني)، وغلبة جزئية على كرد كردستان ايران (ويعد هؤلاء نحو 10 ملايين و7.1 في المئة من السكان، ثلاثة ارباعهم ربما من السنة). وهم قلة في عرب الاحواز (2.5 في المئة ونحو 3.5 ملايين) قد تبلغ الخمس، وفي التركمان (نحو 400 ألف)، وقلةً ضئيلة في الترك الأذريين (20.6 في المئة ونحو 15 مليوناً). ويقيم بعضهم، قلة ضئيلة العدد كذلك، في ثنايا اقوام اخرى مثل اللور (8.8 في المئة و6.2 ملايين) والقزوينيين (7.2 في المئة ونحو 5 ملايين).

ويقيم السنة الايرانيون عموماً حيث يقيم القوم أو الشعب الذي ينتسبون اليه وهم جزء قومي منه. والاقوام التي ينتسب اليها اهل السنة بإيران تنزل كلها، من غير استثناء، اطراف ايران "القصية". فينزل عرب الاحواز في وسط غرب ايران، على شاطئ الخليج المتنازع وعلى حدود العراق الشرقية والجنوبية، نظير العمارة العراقية تقريباً. وقلة من العرب تنزل اطراف كرمان وهرمزان وفارس. ويقيم الكرد في الشطر الشمالي الغربي من ايران. وتفصلهم عن الاحوازيين، جنوباً، بلاد اللور، لورستان. وتحجز بينهم وبين اقصى الشمال الايراني اذربيجان الايرانية او الجنوبية. ويقيم جزء من الكرد بأقصى الشمال الشرقي من ايران، بمحاذاة تركمانستان. ويرجح المؤرخون انهم بقية هجرة سكانية وعسكرية استعملها حكام ايران، على جاري سياسة قديمة، في ضبط اقوام متطرفين عصاة. ويقيم معظم البلوش في الزاوية الشرقية الجنوبية من الاراضي الاقليمية الايرانية، وعلى ساحل بحر عمان وابتداء المحيط الهندي. والقوم الاذري يجتمع معظمه في الزاوية الشمالية الغربية. وينزل بعضه بين بحر قزوين وتركمانستان بجوار الجيب الكردي. ويقيم بعض ثالث غير بعيد من ضفة الخليج الشرقية، بين الاحواز ولورستان (الى الشمال) وبين شيراز (الى الشرق). وبعض رابع يحاذي سيستان – بلوشستان حيث تلتقي بكرمان.

وفي بلادها ونواحيها هذه تتقاسم اقوام الاطراف، تلك التي يغلب عليها السنة وتلك التي لا يغلبون عليها، مع نظيرها القومي والمذهبي البلادَ على طرفي الحدود. فعلى جهتي الحدود الايرانية – العراقية، بالأحواز الايرانية وبين البصرة والعمارة العراقيتين، يقيم عرب يتحدرون من قبائل وعشائر عربية تربط بينها، إلى اللغة و"التاريخ"، مصاهرات وتجارات وحروب واحلاف متقلبة وثابتة معاً. وعلى جهتي الحدود الشمالية، الى الشرق الايراني والغرب العراقي منها، والى الشمال التركي كذلك، يقيم الكرد ببلاد متصلة الارض والقوم، ومقسمة دولاً وأنظمة. وكذلك هي حال ترك اذربيجان أو ترك (أذريي) كولستان وشمال خراسان، وكرد خراسان. فعلى جهتي الحدود بأذربيجان وتركمانستان وإيران يقيم شعب (عرق) تركي، أو متترِّك على قول بعض الدارسين، واحد. ووتتقاسم دولتا ايران وافغانستان، على طول مئات الكيلومترات بين مشهد وزاهدان، الشعب الفارسي نفسه. ففي شمال افغانستان الغربي يغلب قوم الهزارة، الفرس لغة وثقافة وعرقاً. ويسكن البلوش على جهتي الحدود الايرانية – الباكستانية، ويتقاسمون، شأن الكرد، في الجهة الغربية الشمالية من ايران، بلاداً متصلة تحجز الدول وكياناتها السياسية بين شطريها المتجانسين. وقلة قليلة من البلوش تقيم على الجهة الايرانية من الحدود الايرانية – الافغانية بسيستان التي تجمع الى بلوشستان في اسم اقليم واحد. وهذه الاطراف المبعثرة والمشتركة هي مرآة نشأة الدولة الايرانية الوطنية (أو "القومية"، على معنى سياسي) عن امبراطورية قديمة شاسعة ومتصلة الاطوار والحدود، وانكفائها الى نواتها الفارسية والأذرية. ففي اثناء القرن السابع عشر (م) والى اوائل القرن التاسع عشر، وابتداء التوسع الاوروبي والروسي في آسيا الوسطى كانت مملكة الصفويين فالقاجاريين تمتد من أذربيجان وشرق العراق، غير بعيد من بغداد، الى مشارف كابول شرقاً، ومن مرو، غير بعيد من بخارى، عاصمة مملكة خان الاوزبك، شمالاً، الى هرمز – طرف بلوشستان الشرقي على الحدود الهندية المغولية، جنوباً. واضطر التوسع الغربي، البريطاني والفرنسي والروسي، حكام إيران الى التخلي عن بعض أذربيجان وبلاد التركمان وبلاد الكرج (جورجيا) الى روسيا القيصرية، وعن معظم الغرب الأفغاني الى بريطانيا، وعن بلوشستان الجنوبية الى امبراطورية الهند. واستعادت السلطنة العثمانية بعض العراق ومعظم كردستان.

واستقرت "الخسائر" في 1914 -1919. وبقي من انكماش الامبراطورية القديمة أطراف وشعوب متقاسمة، "انتزعت" من دوائر أقوامية مختلطة، وكانت تجد في البنيان الامبراطوري المركب والمتقلب مستقرها أو مضطربها. فلما نزعت السلطة المركزية بإيران، تحت وطأة التوسع الاوروبي، شمالاً وشرقاً، الى بلورة كتلة سياسية وعسكرية وطنية وجامعة، اقتطعت كتلتها هذه من الكتلة التركية – المغولية الاوسع، والفارسية الأقدم، وأرستها على خط المدن التاريخية الكبيرة من تبريز فهمدان فاصفهان فشيراز غرباً، ومن مشهد، الى كرمان وبينهما يزد وسطاً وشرقاً. ومن هذه الدائرة معظم موارد ايران من الزراعة والمياه والتجارة والمواصلات والسكان والمدن. وفيها اجتمع القوم الفارسي الشيعي، والقوم التركي الأذري والشيعي الذي اضطلع بدور حاسم في تاريخ ايران السياسي الملكي والديني – الشيعي الامامي، على رغم الفرق العرقي والمذهبي في أول الامر.

وغلب على اقوام الاطراف، الى السمات التي مرت، بنيانها الأهلي والاجتماعي القبلي. وأدى هذا البنيان الى تقسيمها السياسي، وغلبة شيوخ العشائر وكبار ملاكي الارض على جماعاتها الفرعية، والى ضعف عمرانها المديني وجماعاتها المدينية. وحملتها مواقعها الحدودية على الاستفادة من طرق التجارة المشروعة وغير المشروعة استفادة ريعية أبقت على فقرها وضعف انتاجها. والمواقع الحدودية نفسها عرضت الأقوام لنفوذ الدول المتاخمة، إما مباشرة أو من طريق الشطر القومي. وانتهجت الدولة المركزية الايرانية في الاقليات نهجاً متصلاً توسل غالباً بالشدة والقمع والاقصاء، وبتغليب الادارة المباشرة على الادارة الذاتية.

والوصف الجغرافي – السياسي الذي تقدم، ويسند اليه المراقبون غالباً وجهي علاقة السلطة بالأطراف والاطراف بالسلطة، يلم بثوابت هذه العلاقة، وقد لا يتخطاها الى تاريخها السياسي والاجتماعي. والحق أن الثوابت، على قدر حقيقة ثباتها، لا تستوفي معاني الحوادث ومنعطفاتها، ولا تحول بينها وبين الحدوث والتجدد. ويقتضي هذا تاريخاً سياسياً وحدثياً، فيما يلي بعض مادته في أربعة أقسام: يتناول الاول المرجع الفقهي والتاريخي للترتيب المذهبي والقومي، ويتطرق الثاني الى سياسة النظام الأقليات وقمعها، ويصف القسم الثالث انعطاف 2003-2006، ويعالج الرابع اخفاق الانعطاف.





القسم الاول

التباس "الاسلام و"المذهب"

لم يبرز دور العامل القومي والمذهبي في بناء نظام "الجمهورية الإسلامية" الإيرانية، وتشكيل طبقة حكامها، على حدة أو مستقلاً عن مجرى الحوادث والوقائع السياسية والعسكرية والاقتصادية في الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأولى من الثورة الخمينية. فالدستور الجديد الذي أقره استفتاء عام في كانون الأول (ديسمبر) 1979، بعد ثمانية أشهر من الاستفتاء على إلغاء الامبراطورية البلوية وإعلان الجمهورية "الإسلامية" بغتة، على زعم أبو الحسن بني صدر، أول رئيس جمهورية إيراني، حاز 98,2 في المئة "ممن كان لهم حق التصويت" (المادة الأولى من الفصل الأول قبل تعديله). والإجماع هذا شمل الأقوام الإيرانية من غير الفرس، بديهة، وشمل الـ6 ملايين من السنّة يومها، من نحو 36 مليون إيراني، والمليون ونصف المليون من الأقليات الدينية، اليهودية والمسيحية والزرادشتية والبهائية، المقصية "تعريفاً" من الحياة العامة والسياسية. وذهب إجماع المسلمين، شيعة وسنّة، ربما إلى "حكومة القرآن العادلة الحقة"، على حسب نص الفقرة الثانية من مادة الدستور الأولى كذلك. ولا ريب في أن "أساس نظام الجمهورية" المؤتلف من 6 أركان أحصتها المادة الثانية، يتضمن ركناً شيعياً إمامياً صريحاً هو "الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام" (الأساس الخامس). وقررت مواد أخرى أو فقراتها "سنة المعصومين" (المادة 2 أ) بعد الكتاب أساس "الاجتهاد المستمر"، أو "زمنَ غيبة الإمام المهدي" (المادة 25)، وقرنِ "الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري" الواحد بالآخر ودمجهما في جملة أو مادة واحدة "تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير" (المادة 12)، إلخ. ولكن مواد أخرى نوهت باعتبار المسلمين "أمة واحدة" (المادة 11). ونصت المادة 12 على تمتع "المذاهب الإسلامية الأخرى"، الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي، "باحترام كامل"، كما نصت على حرية أتباع هذه المذاهب في "أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم"، وعلى "الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية) وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم". وتقضي المادة نفسها، في فقرتها الثانية، باتباع الأحكام المحلية للمنطقة التي "يتمتع أحد... المذاهب بالأكثرية" فيها المذهب الغالب أو الأكثري، "مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى".

وتميز المادة الثالثة عشرة والمادة الرابعة عشرة "الإيرانيين الزرادشت واليهود والمسيحيين" وهؤلاء وحدهم "الأقليات الدينية المعترف بها" و "غير المسلمين"، من "المسلمين" جملة. ولا تترتب على التمييز هذا أحكام في أداء "الأقليات" المراسم الدينية وتحكيم قواعد الأحوال الشخصية تختلف عن أحكام أهل "المذاهب الإسلامية الأخرى"، الحنفي والشافعي...

والحق أن الصيغة الدستورية انطوت على التباس عميق ومُعَمٍّ تعمد حمل إسلام التشيع الإمامي، ومقالته في أركان الاعتقاد ومصادره وحججه، على معنيين معاً: معنى الاعتقاد العام ومعنى مذهب في "المراسم" (الشعائر) والأحوال الشخصية (المعاملات). ولكن قران "الإسلام"، من غير تخصيص وهو يقصد به إسلام الإمامية الإثني عشرية، بالمذهب الجعفري في الفقه، وإحصاء المذاهب الفقهية الستة على قدم المساواة، القران والمساواة يؤدي التباسهما وتوحيدهما معنى مضطرباً. فبناءً على القران يعود الى التشيع الإمامي الإثني عشري تعريف الإسلام الواحد ومعتقده، من غير أن يقال هذا صراحة. وبناءً عليه كذلك، يضم المذهب الجعفري الى الإسلام الواحد، ويدمج فيه وكأنه من أصله، بينما تخرج المذاهب الأخرى مخرج الفروع الثانوية. وأما من وجه آخر، فيميَّز المسلمون السنّة من غير المسلمين، أي من "الأقليات الدينية"، ويُجمعون مع الشيعة في الإقرار بمذاهب فقههم وأحكامها. ويُراد لهذا الإقرار أن يبدو إعلاءً من شأنهم، وتوحيداً لهم في مكانة إسلامية واحدة مع الشيعة الإمامية. ولكن الحكم الدستوري في "غير المسلمين" و "الأقليات" لا يختلف في شيء عن حكم "المسلمين" من أهل المذاهب الخمسة، والإقرار لهم بحرية "أداء مراسمهم الدينية (والعمل) وفق قواعد(هم) في الأحوال الشخصية والتعاليم الدينية" (المادة 13 من دستور جمهورية إيران الإسلامية).

وترتبت على الالتباس العميق والمعمّي هذا أحكام وإجراءات عملية هي في القلب من شكوى التمييز والتضييق التي يرفعها بعض سنة إيران في وجه الحكام الشيعة ومذهبيتهم المنحازة. ففي مسألة المساجد، وحرمان السنة من بنائها حيث يحتاجون إليها، والصلاة بها بحسب شعائرهم ("مراسيمهم")، يدعو المسؤولون أهلَ السنة الى الصلاة في مساجد "المسلمين" الشيعة، الواحدة والمشتركة. وينكرون على أهل السنة إلحاحهم في الانفراد بمساجدهم، ويحدسون في الإلحاح "حساسيات مذهبية" يُراد "إثارتها"(1). ويغفل المسؤولون (الشيعة) ما يراه أهل السنة "مخالفات شرعية" في مساجدهم (مساجد الشيعة) تتطاول إلى الأصول والفروع: أدخلت الشهادة لعلي بن أبي طالب بالولاية في الأذان، وأدخل فيه القول "حيَّ على خير العمل"، وأخيراً اسم الخميني في كثير من المساجد، ويرى الشيعة المسح على القدمين في الوضوء دون غسلهما وهذا باطل في رأي اهل السنّة، ويبطل وضوء المتوضئ به وصلاته وصلاة المأموم، والشيعة يصلّون على قطعة من التربة الحسينية ومن لا يصلي عليها "يتعرض لما لا يسرّه"، الشيعة يعقدون في مساجدهم "ما يسمى بحلقات اللعن"، ووضع اليدين على الصدر في الصلاة وقول "آمين" من سنن أهل السنة الثابتة ومن مبطلات الصلاة عند الشيعة(2). فالقول بوحدة المساجد مقدمةً لدعوى الاشتراك في الصلاة، والغنى عن الصلاة في مسجد أهل السنة، يترتب على التباس "الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري" في المادة العتيدة، أو يسوغ التباسُ المادة المتعمد القولَ بوحدة المساجد وفرض المسجد والصلاة الشيعيين على أهل السنّة.



التباس الدولة والعصبية

ولعل مصدر الأمرين هو الطريق التي نشأت دولة "الجمهورية الإسلامية" الراسخة منها، وسياقة النشأة والرسوخ. ففي أعقاب عودة روح الله خميني الى طهران، واستقبال ملايين الإيرانيين العائد، خرجت الى العلن نزاعات التيارات والحركات والجماعات والطبقات التي تضافرت وتكتلت على إخراج محمد رضا بهلوي وتقويض نظامه. فانقسم المعتدلون والمتطرفون، والمدنيون والعلماء، والطبقات الوسطى والطبقات الرثة والحزبيون والمقاتلون، بعضهم على بعض، وبعضهم على نفسه، وتنازعوا على السلطة، وعلى نهج الحكم. وحين استولى "الطلاب في خط الإمام" على السفارة الأميركية في أواخر 1979، واستعملوا بعض وثائقها في عملية "تطهير" سياسي وإداري وعسكري واسعة نجم عنها إعدام مئات كبار المسؤولين من غير محاكمة، كانت الجمهورية على وشك الغرق في رمال عداوات الكتل المتناحرة: كتلة بهشتي وكتلة رجائي وكتلة طالقاني وكتلة غفَّاري وكتلة هاشمي رفسنجاني، وكلهم علماء ومقربون من المرشد، وبعضهم من ابنه وأمين سره "السيد أحمد"، إلى كتلة بني صدر وكتل الأحزاب المسلحة مثل "الكوميته" (اللجان) ومجاهدين خلق و "حزب الله" و "جند الله" و "ثأر الله" و "غشتي زينب".

واختط احتلال السفارة الأميركية، ثم حرب صدام حسين على إيران، نهج بناء السلطة الجديدة على معيار واحد هو "تطهير" المجتمع والدولة من مخالفي "خط الإمام" أو المترددين في الولاء المطلق للمرشد وأعوانه المقربين. فإذا احتسب أبو الحسن بني صدر بعض الإنجازات العسكرية لنفسه، ولمبيته في الجبهة، عد أعوان المرشد الرأي هذا افتئاتاً على "الإمام"، ومنافسة قبيحة على مكانته. والحرب تحت راية غير راية خميني مباشرة، ولو كانت راية إيران والشعب الإيراني والأرض الإيرانية، غير مرضية ولا جائزة. وشن مجاهدين خلق، حلفاء بني صدر على بهشتي، انتفاضة مسلحة. فاغتالوا نحو ألفين من الملالي وأعيان النظام. وكانت قوات النظام شبه الرسمية تتولى الحرب على الجبهات، وأعمالَ الأمن والمحاكمات العرفية في الداخل. فقتلت نحو عشرة آلاف، بعضهم من أنصار مجاهدين خلق وبعضهم الآخر من "الطواغيت" أو غير الموالين للسلطة الجديدة. وانتشرت وحدات المتطوعين (الباسيج) في أحياء المدن الإيرانية، وأقامت الحسبة والرقابة على الناس وقيافتهم وأزيائهم، واعتقلت نحو أربعين ألف مظنون، معظمهم من غير تهمة ولا قرينة. وانتُدب "القضاء الثوري" الى أطراف إيران. فقضى خلخالي بإعدام المئات بسنندج، عاصمة كردستان إيران السنية. وتولت إدارة عرفية بالأحواز، على رأسها الأميرال مدني، الحكم. فنقلت الى الداخل العرب، الشيعة والسنّة، على رغم اشتراك الطرفين في التحفظ عن حرب صدام حسين.

وفي نهاية مطاف المرحلة التأسيسية هذه انتهت مقاليد الحكم إلى أيدي المتحدرين من الأصول التي يتحدر منها روح الله خميني: فمن ألف منصب نافذ، في المراتب والمرافق كلها (الدولة وهيئات الحكم والأوقاف)، يتولى سادة موسويون، من ذرية موسى الكاظم (سابع أئمة الشيعة الإماميين المعصومين) التي ينتسب إليها خميني نفسه، 600 منها(3). و53 عضواً من أعضاء مجلس الشورى الـ270 موسويون، و7 من حكام الولايات الـ23، و75 من الـ120 مديراً عاماً على رأس الشركات الوطنية الكبيرة. ويعود تدبير الأوقاف الكبيرة ومؤسسات الإعالة إلى أقرباء المرشد. والسادة الموسويون، والسادة عموماً، هم ثلث العلماء بإيران، ويحسبون أنفسهم "قادة الأمة" وأولياء أمر المسلمين. ويليهم في المرتبة، وفي مراتب النفوذ والجاه، أهل أصفهان وفارس ويَزْد. وأهل الولايات الثلاث يعدون 10 في المئة من سكان إيران كلهم، ويتولون 75 في المئة من المناصب الراجحة. ويتولى الشيعة، وهم 85 في المئة من الإيرانيين، 100 في المئة من المناصب النافذة من غير استثناء، و95 في المئة من مجلس الشورى. ويتمتع الـ100 معمم أو ملا، من آيات الله وحجج الإسلام، الأعلى مرتبة والأوسع نفوذاً، بحراسة أمنية خاصة بلغت أكلافها، في 1984، 3 مليارات من الجنيهات الاسترلينية أي نحو 15 في المئة من عائدات النفط في 1984. وتعد المراتب الدنيا من جماعات الحظوة، وأهل "عصبية الدولة" الإمامية، من عشرات الآلاف (في اللجان الأمنية أو "كوميته الإمام") الى مئات الآلاف (في "الحرس الثوري" و "تعبئة المستضعفين" أو "الباسيج"، وهؤلاء يبلغون 30 مليوناً اليوم بحسب وزير الدفاع الجنرال وحيدي أو وزير الداخلية الجنرال نجار)، إلى المليون و200 ألف تعيلهم مؤسسات الشهداء والمستضعفين والهلال الأحمر وجهاد البناء. وبلغت تكلفة الإعالة نحو 10 في المئة من الناتج الإجمالي الداخلي (في 1984)(4).

ويسدد "المستضعفون" الشيعة عموماً ثمن هذه الحصة من النفقات العامة، الأمنية والاجتماعية، وثمن "امتيازاتهم" في إطار اقتصاد حرب وإعالة (قسائم التقنين وتجارتها، التعويضات النقدية والعينية عن خسارة المعيل أو المقاتل بالجبهة...) دماً وموتاً. فنظير الـ75 في المئة من المناصب النافذة التي يتولاها أهل الولايات المحظية الثلاث "الصافية" قوماً فارسياً ومعتقداً إمامياً اثنا عشرياً، بذل أهل أصفهان وفارس ويزد 75- 80 في المئة من عدد القتلى في ساحات الحرب العراقية- الإيرانية. ويسدد الأعيان وأهل المناصب ومراتب القيادة الأمنية والإدارية والقضائية و "الإكليركية" البيروقراطية والسياسية المركزية والمحلية ثمن مناصبهم، وكلمتهم النافذة واستحواذهم، اغتيالات وتصفيات و "محناً" ووشايات.



ولاية أصفهان – فارس - يزد

وعلى هذا، فجمع الدستور "الإسلام والمذهب الجعفري الإثني عشري" في معنى أو أقنوم واحد ومندمج، وتوحيده "الكتاب وسنة المعصومين" مرجعاً للـ "اجتهاد المستمر"، إنما يصدران (الجمع والتوحيد) عن صيغة فكرية وعملية، أو نظرية وإجرائية، ترعى ترتيب جماعات الدولة الإيرانية على مراتب غير متكافئة، وتتولى توزيع الموارد المتفرقة، السياسية المعنوية (السلطة والأمن والهوية) والمادية، توزيعاً غير منصف ولا متكافئ. والاحتجاج بوحدة "الإسلام" و "الأمة الإسلامية" رداً على الحركات السياسية القومية والسنية، ورداً على التيارات الإصلاحية التي يغلب عليها الشيعة والفرس كذلك، يقود إلى إنكار الفروق الحادة في توزيع الموارد، والتمتع بالحقوق. ويسوِّغ إنكار الفروق الامتيازاتِ الكبيرةَ التي تحظى بها كتلة النافذين العليا، ومن ورائها أو تحتها الكتلة الكبيرة من جمهور الإيرانيين الشيعة والفرس. وتلحم الامتيازات، وهي مطلقة في كتلة النافذين وأصحاب المناصب ونسبية في العامة و "أهل الضعف"، أهل المناصب والنفوذ و "المستضعفين"، وترص صفوفهم في كتلة قومية ومذهبية واحدة. على رغم فروقها الداخلية ومنازعاتها. فإذا تصدرت الكتلة القومية والمذهبية، الفارسية (على رغم اصولها العرقية التركية، على ما هي حال الصفويين وحال القاجاريين) والشيعية الإمامية، بناء الأمة والدولة الإيرانيتين، في القرون الخمسة الأخيرة، وتولت قيادة هذا البناء وتعاقبت عليه – وهي حال الكتلة الفارسية – الشيعية بإيران فعلاً، وفي القلب منها مثلث أصفهان وفارس ويزد – لم يقتصر التسويغ على الإنكار والسلب بل تعداهما الى إثبات دور حيوي اضطلعت به الكتلة المركزية في التاريخ الإيراني.

وكان مرشد "الجمهورية الإسلامية" الأول و "قائدها"، على ما يسميه الدستور، استبق التباس النصوص الدستورية، فأنكر حقيقة كثرة المذاهب الإسلامية وحقيقة مراجعها الاعتقادية والفكرية والفقهية. فوصف الدولتين (الإسلاميتين)، الأموية والعباسية، بـ "الشرك والطاغوت"، وولاتهما بـ "أكاسرة وأباطرة وفراعنة"(5). ونسب كثرة "شعوب" المسلمين وأقوامهم- وهو يقول: تحويل المسلمين إلى شعوب- الى "الاستعمار"، وسعيه في تفتيت الدولة العثمانية، ثم الى إنشائه "دويلات" غداة الحرب العالمية الأولى، "على رأس كل دويلة عميل منهم"(6). فيقتضي توحيد الأمة الإسلامية وقطع دابر "الهرج والمرج"، وإقامة "حكومة إسلامية" على رأسها الولي الفقيه الذي "يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي(ص) منهم" أي "دعامة إدارة المجتمع" (القضاء، السفارات، المعاهدات، الحروب، الاستخلاف، جباية الضرائب...)، "تحطيم رؤوس الخيانة وتدمير الأوثان والأصنام البشرية". وبإزاء "حكومة الإسلام"، وهو يريد حكومته وولايته، كل خلاف أو تحفظ إنما يصدر عن "الآراء والأهواء"(7). ويترتب على الأفكار الحكومية "الإسلامية" هذه الطعن في الخلافات القومية والمحلية والدينية والمذهبية والاجتماعية كلها، وحملها على الشرك والطاغوت والأوثان والأصنام و "الاستعمار". ولا تستثنى الخلافات السياسية والإيديولوجية والاجتماعية في صفوف النواة الإيرانية، القومية والمذهبية، من الأحكام الخمينية. فمعظم الضحايا والقتلى، جراء النزاعات والصراعات، وقعوا في صفوف النواة هذه. وجُبهت المعارضة الداخلية في قلب الكتلة الحاكمة، وفي صفوفها ونخبتها من 1980 الى 2009 (وتليتها) وعند المنعطفات البارزة، بالعزل والتضييق والحصار والإسكات أو بالتهمة والمقاضاة والسجن، وبالاغتيال في بعض الأحيان. وأُعمل معيار "الإسلام" في الخلافات والتباينات على درجاتها. ولما كان الحُكم في الأقوام والشعوب والملل، غير الإمامية وغير الفارسية ضمناً، أنها شرك بـ "الإسلام" وطاغوت ووثنية أو ردة، وجب على الولي الفقيه حربها وقتالها واستتابتها، وغيرها من أحكام الردة والمرتدين.

وقياساً على هذا الوجه من "الزعامة الإدارية"، تُشكِل الموادُ الدستورية "الجمهورية" المنصوص عليها في دستور 1979، والثابتة في التعديلات الثانوية اللاحقة. فنص المادة العشرين على شمول "حماية القانون... جميع أفراد الشعب – نساءً ورجالاً- بصورة متساوية" وتمتعهم "بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهي مادة "مدنية" و "جمهورية" بامتياز، يقيدها جزء الجملة الأخير: "ضمن الموازين الإسلامية". وليس هذا لأن "الموازين الإسلامية" تشكو خللاً في نفسها، حين يُعْرف المقصود بها ومعايير التعريف، بل لأن الموازين هذه تأتي في متن المادة مأتى القيد السياسي والظرفي على إطلاق النص في صيغته الحقوقية، المدنية والجمهورية. ويعف الدستور عن تناول المسائل القومية والمذهبية مباشرة، ما خلا المادة الثانية عشرة والمادة الرابعة والستون (عدد النواب وانتخاب "الأقليات" نوابهم). ولكنه يتناولها من طرف جانبي. فالمادة الثامنة والأربعون تنص على أنه "لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال الانتفاع من مصادر الثورة الطبيعية، والموارد الوطنية العامة، وتنظيم النشاط الاقتصادي في البلاد، بحيث يكون لكل منطقة رأس المال اللازم والإمكانيات الضرورية بما يتناسب وحاجاتها واستعدادها للنمو". وصيغةُ المادة مدنية وجمهورية لولا تقييدها بالمادة الرابعة والأربعين، وتعريفها "النظام الاقتصادي لجمهورية إيران الإسلامية"، وإقامته على 3 قطاعات: حكومي وتعاوني وخاص. وتنيط المادة بالقطاع الحكومي "الصناعات الكبرى كافة، والصناعات الأم، والتجارة الخارجية، والمناجم، والعمل المصرفي...". فهو، أي القطاع الحكومي، بمنزلة المهيمن الكامل على الإنتاج والتوزيع، من غير رقيب فعلي أو حسيب عليه، على مثال مركزي و "سوفياتي" مجرب. فـ "الدولة"، أي إدارة الأجهزة والمجالس ودوائر النفوذ القريبة من المرشد، بمنأى من السلطات المضادة المقيدة والمشروعة، الممثلة لتطلعات ومصالح جزئية أو عريضة يحق لها (وليس "يحل") مناقشة خطط الدولة العامة، ومعارضتها وإبطالها واقتراح بدائل عنها. والصدور عن التطلعات والمصالح التي يسكت القانون الأساسي عنها، وسكتت "فلسفة" هذا القانون (نظرية ولاية الفقيه) عنها، يجر على أصحابه الإدانة بالشرك والوثنية والخيانة والعمالة للاستعمار.

المركز والأطراف

ونصيب أهل السنّة بإيران، من الأقوام غير القوم الفارسي وغير القوم الأذري (وهما كثرتهما الساحقة شيعة إمامية)، من الإدانة على قدر افتراقهم عن مذهب الدولة الرسمي وقومها الغالب (أو قوميتها الغالبة، على وجه الدقة)، وعلى قدر المكانة التي توليها الكتلة الحاكمة للمذهب الديني والاجتماع عليه في توحيد الشعب ورصه وراء الكتلة هذه. ويجمع دارسو التاريخ والمجتمع الإيرانيين، إلى الإيرانيين أنفسهم، على دور التشيع الإمامي الراجح، في حلته الفارسية الإيرانية التي جددت أو استأنفت صيغته السنية الغالبة ومزجتها بالأخبار والتقاليد المحلية والشعبية الوطنية(8)، في بناء السلطنة الصفوية وإرسائها، وصمودها بوجه السلطنة العثمانية، وتوسعها لتضم الى الهضبة الإيرانية الجبلية والصحراوية، بعض بلاد الهند (باكستان اليوم) وأفغانستان وتركمانستان ومعظم أذربيجان(9). وعلى هذا تدين الأمة الإيرانية، على ما ترى نواتها العريضة وكتلها الحاكمة على مر العهود والأسر المختلفة، إلى التشيع الإمامي بتماسكها وتبلورها قوة سياسية وعسكرية مركزية في غرب آسيا الوسطى، على حدود العالم التركي العريض والقوة الروسية فالسوفياتية إلى الشمال، والعالم العربي الى الغرب، والعالم الهندي الى الجنوب والشرق. وشفعت الموارد النفطية والغازية الضخمة وطرق إمدادها شرقاً وشمالاً وغرباً بالموقع الجغرافي السياسي المحوري، وأحلت الدولة المركزية والمتسلطة، وهويتها، وقوتها العسكرية، محلاً متصدراً وبارزاً. وقيام ثورة شعبية، أو عامية "جمهورية"، تحت لواء علماء الإمامية وفقهائها الجعفريين، ودعوتهم الى ولايتهم العامة والمطلقة الدينية والدنيوية، أقصى حكماً غير الإماميين الجعفريين، وسلط عليهم الارتياب في ولائهم الوطني والسياسي، وقطع في إدانة مطاليبهم الذاتية والمحلية في المساواة، وحملها على إرادة انفصال وشقاق. ونزول السنّة اطراف الدولة، واتصالهم القومي أو الإثني بأمثالهم ونظرائهم في القومية وراء حدود الدولة الوطنية الإيرانية، غذّيا الشكوك المركزية والتهمة.

ولما كان وجه من وجوه الخلاف أو النزاع بين المركز والأطراف يدور على السلطة وتدبيرها وتصريفها (حكام الولايات وكبار الإداريين والعسكريين)، ويدور وجه آخر على الموارد وتوزيعها واستثمارها، أدى احتكار الموسويين والسادة والعلماء وأهل مثلث أصفهان وفارس ويزد الدولةَ والموارد الى احتدام الصراع بين الدولة المركزية، وقومها ومذهبها، وبين الأطراف، وأقوامها ومذهبها الغالب على الأقوام الطرفية. وأرست الدولة "الجديدة"، وطاقمها الحاكم، سياستها الاجتماعية والاقتصادية على جزاء الولاء وشرائه معاً بالمناصب والامتيازات النقدية والعينية والإعفاءات والإعالة المباشرة، اي على علاقات شخصية تضطلع القرابة الدموية، والإلفة العصبية والجوار والميل، بدور قوي في نسجها ودوامها. ورتب توزيع الموارد المباشر على الأنصار والموالين، من طريق التوظيف والتجنيد أو من طريق المساعدات والهبات، تبديد شطر كبير من العوائد الوطنية على قواعد الطاقم الحاكم الاجتماعية والأهلية، وتقليص النفقات الاستثمارية في خطط إنتاج ومرافق تنمية تمتص البطالة وتؤتي عوائد على أمد طويل، وتحتاجها أول ما تحتاجها المناطق والبلاد النائية أو الفقيرة الموارد. ونجمت آفتان مزمنتان عن السياسة الاقتصادية المختلة هذه، وعن غلبة سياستها اقتصادها، هما البطالة العالية (15 الى 20 في المئة متوسطاً) والتضخم برقمين. وترددت أصداء هذه السياسة قوية في حملة محمود أحمدي نجاد، في 2005. فدعا ضابط الاستخبارات في الحرس الثوري السابق ورئيس بلدية طهران، الى "وضع" عوائد النفط على مائدة الإيرانيين الفقراء. فجددت مساعدته النقدية المباشرة المحتاجين وذوي الدخول المحدودة المشكلتين "الثوريتين" المزمنتين، التضخم والبطالة، وفاقمت التفاوت بين أهل الحظوة، السياسية والقومية والمذهبية والجغرافية، وبين المنفيين منها. وتنهض المعارضة الدينية علماً جامعاً على روافد الاحتجاجات الأخرى كلها، على نحو ما تنهض القيادة الدينية والمذهبية علماً على وحدة الدولة المركزية وتماسكها وقوتها.

وعلى نحو ما لم يتردد الفريق الذي أحاط بقائد "الثورة الإسلامية" في معالجة الانشقاقات الداخلية في صفوف الجماعات التي قامت بالثورة، ومدتها بذخيرتها الشعبية الغنية والمتنوعة المصادر، بالعنف والعزل والإرهاب، حَمَلَ الفريقُ نفسه تحفظ الجماعات القومية أو السنية عن السياسة المركزية الجديدة على الشقاق والانفصال. فجمع سنّة إيران، وهم أنشأوا مجلس شورى كان مقره طهران قبل أن يلجأ إلى أردبيل بأذربيجان، مآخذهم على الحاكم بطهران في عرائض أحصت، من غير ترتيب، المحاكمات المتعسفة والعرفية السريعة، وإلزام القضاء بأحكام المذهب الجعفري، وتسليح شيعة باكستان وإنشاء منظمات وأحزاب شيعية في العالم العربي، وهدم عشرات المساجد السنية في أنحاء إيران وغلق بعضها الآخر، وتهجير العلماء السنّة والتضييق عليهم، وحظر المدارس الدينية السنّية، وإهمال خدمات المناطق السنية، وفرض أعضاء مجالس الشورى عليهم، وانتداب موظفين من خارج المناطق ومن غير أهلها إلى إدارتها وبناء مساجد للشيعة فيها وهي خُلو منهم، وإقصاء السنة عن المناصب التنفيذية العالية "من وزراء ونواب وزراء"، وتولي الإذاعة والتلفزة الطعن في معتقدات أهل السنة والترويج لانقلاب بعض أفرادهم الى التشيّع، وعرقلة السفر بين مناطق السنّة وبين مرافق العمالة والتوظيف في بلدان الخليج على رغم تفشي البطالة في مناطقهم وصفوف شبانهم. ولمسألة اغتيال العلماء السنّة واعتقال العشرات منهم سنوات طويلة من غير محاكمة منزلة خاصة.



القسم الثاني

الاغتيالات

وتفصيل هذه المسائل يملأ رسائل العلماء والمحازبين والطلاب والنواب وممثلي الجمعيات الأهلية في الخارج. ولكن إدراجها في سياقات تتيح تتبع مناحٍ متراكمة ومنتظمة، أو انعطافات مرسومة وواضحة، أو انتكاسات وانجرافات ملموسة، مثل هذا الإدراج متعذّر. ويكاد يكون ممتنعاً لولا علامات استدلال عريضة مثل الحرب العراقية- الإيرانية، وولاية محمد خاتمي الثانية، وحلول محمود أحمدي نجاد محله وتعاظم دور الإدارة العسكرية المباشرة في الأطراف القومية والسنّية.

ولعل لائحة الاغتيالات التي أردت بعض علماء أهل السنّة الدينيين ومثقفيهم البارزين (10) من القرائن القليلة الموثقة والواضحة على نهج أمني متصل. وتتصدر الرسالة شكوى "أهل السنة"، من أكراد وبلوش وتركمان ولموالش و "حواشي الخليج"، خلوَّ وفاضهم "من أية وزارة أو سفارة (أو) وظيفة مهمة" في الدولة، وحرمانهم حقوقهم الاجتماعية والمدنية وحظر تشييد المساجد وبناء المدارس الدينية عليهم، وتتهم الرسالة آية الله الخامنئي، بعد "وفاة الإمام الخميني"، بحمل "لواء القتل والاغتيال لعلماء السنة في أطراف ايران الأربعة". وتحصي "على سبيل المثال لا الحصر"، قتل 14 عالماً إما اغتيالاً أو إعداماً أو تعذيباً في أثناء الأعوام العشرة المنصرمة (1986 – 1996). وإلى 1993، ووفاة أحمد مفتي زادة في السجن- وهو عالم دين كردي ومن أنصار الثورة الأوائل، وأحد المشاركين في صوغ الدستور، وعضو مجلس الخبراء، وأحد خطباء مؤتمر التقريب بين المذاهب في 1982، قبل أن يجهر معارضته المرشد من غير أن يدعو الى "الجهاد" وحمل السلاح – إلى ذلك العام قضى 6 من علماء السنّة المعروفين: هبمن شكوري من طواش (1986) وعبدالوهاب خافي (1990) وقدرة الله جعفري (1990) وناصر سيماني (1992) وعلي مظفريان الشهرازي الأذري (1992) وأحمد مفتي زادة الكردي (1993) إعداماً في السجن، بعد محاكمات طعنت على الدوام المنظمات الحقوقية الدولية في التزامها قواعد التحقيق والمقاضاة والمحاماة وأصولها(11).

وليست حال الحرب والطوارئ السبب الظاهر في الإعدام، بعد الاعتقال والمحاكمة والتعذيب فليس في اللائحة من قُتل في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، وفي حياة خميني (ت1989) إلا عالم واحد. والعلماء الثمانية الباقون: محمد صالح ضيائي من بندر عباس (1994) وعبدالعزيز اللهياري (1994) وأحمد ميزين البلوشي (1996) وفاروق فرساد الباختراني (1996) ومحمد ربيعي الكردي (1996) وعبدالعزيز كاظمي الخراساني (1996)- قضوا اغتيالاً، وخارج النظام القضائي الثوري. وتتفق سياسة الاغتيال، وقتاً وزمناً، مع تجديد ولاية علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئاسية، في 1993. واغتيل 6 في سنة واحدة هي سنة 1996. وفي هذه السنة اجتمعت ظواهر أربع: بروز تكتل نواب "ليبراليين" من أنصار الرئيس رفسنجاني في انتخابات مجلس الشورى عرفوا بخُدّام (أو مهندسي) إعادة البناء، وفازوا بـ70 مقعداً (من 270)، الى 40 مقعداً فاز بها اليسار و30 المستقلون، وذلك قبل سنة من الانتخابات الرئاسية الحاسمة. ودوام أثر أنصار حزب الله "العنيف" في المنازعات السياسية وتهمتهم الليبراليين واليسار بخيانة الثورة والإسلام و "الشهداء" و "المستضعفين". وتردي الاقتصاد الإيراني والاستثمار في الإنتاج وتشديد الحصار الأميركي، وإنجاز طهران ربط جمهوريات آسيا الوسطى بالبحار الدافئة بواسطة خطوط سكة الحديد(12). فتضافر احتدام النزاع الداخلي، في وقت ضعفت فيه قبضة القوى المحافظة ومالت دوائر اجتماعية عريضة الى التحرر من قيم هذه القوى، مع مد الدولة المركزية نفوذها إلى الأطراف والجوار، تضافر الامران على نشدان "الأمن" من طرق موازية غير طرق المقاضاة ولو الشكلية والصورية(13). وفي الأثناء، تعاظمت تجارة المخدرات، على الحدود الشرقية المحاذية لأفغانستان، في بلاد البلوش القبلية، وصارت آفة عامة تصيب نحو 4- 5 ملايين إيراني، على بعض التقديرات. ولا ترى السلطات ضيراً في جمع التهريب والتململ المذهبي والقومي في مسألة واحدة.

وتعزو رابطة أهل السنة اغتيال العلماء الى سياسة "تشييع العامة"، وذلك بواسطة "إطفاء الكشافات ثم المصابيح"، على نهج طالما نسبه مراجع الحوزات في عهد محمد رضا بهلوي، الى الشاه، وإلى الغرب المستكبر. ويضطلع كبار العلماء، على خطى "المعصومين" و "الحجج" و "مصابيح الهدى" و "الصفوة" في التراث الإمامي وأخباره ورواياته، بدور متصدر. وينيط التراث الإمامي بـ "أهل البيت" و "العترة النبوية" و "الذرية الحسينية"، على معنى ناسوتي ومتجسد، القوَّامية على الهداية، وينزلهم في بعض الحديث منزلة كفء الكتاب والتنزيل، أو الثّقَل الثاني. ويتوج المهدي، آخر أئمة العصمة من أهل البيت، إمامة الهداية والخلاص والزمان(14). وتقدم التنويه بحصة السادة الموسويين، والسادة عموماً، من الطاقم الحاكم.

ولم تقيد صلاحيات خاتمي الرئاسية اغتيالات العلماء السنّة. فأذاع بيان صدر عن رابطة أهل السنّة في إيران، في أوائل كانون الثاني (يناير) 1998(15)، خبر "اقتياد الشيخ نظام الدين روابند نجل الشيخ عبدالله (الراحل) العالم والشاعر الشهير في بلوشستان، وهو كان بصدد بناء مسجد، ويدير مدرسة". وينتهي الخبر إلى ما يشبه نعي الرجل: "ولم يُعرف شيء عن مصيره". وحمل البيان اغتيال الشيخ يار محمد كهرازهي، إمام جمعة أهل السنة في خاش حيث "كان يدير مدرسة دينية ايضاً"، على الاستخبارات الإيرانية. وهو خلف على الجمعة، وعلى المدرسة، الشيخ عبدالستار البلوشي، الذي اغتيل في 1996. وفي بيان ثالث، أذاعه مكتب رابطة أهل السنة في إيران بلندن(16)، روت الرابطة خبر مهاجمة عناصر من الاستخبارات الإيرانية، في 21 (اغسطس) 1997، منزل الشيخ التركماني ولي محمد ارزانش، الهارب إلى تركمانستان "أسوة بمئات من طلبة العلم من السنّة الإيرانيين الى الدول المجاورة". وأعلن في 1999 عن مقتل عبدالجبار البلوشي بن ملا نور محمد، وهو خُطف من جامعة بلوشستان، وعُذّب وأُودعت جثته في ثلاجة مستشفى زاهدان. وفُقد معه بعض زملائه في الدراسة. وبقي في المعتقل مولوي ابراهيم دامني، وإقبال ايوبي، وفيصل سباهيان، ويوسف كردهاني، وابراهيم جهان ديده، وواحد بخش لشكرزهي، ومهران مير عبدالباقي، وصفري، وكسرائي، وغيرهم.

وخلصت رابطة أهل السنّة بإيران الى أن مقتل بعض العلماء والمدرّسين السنة هو من صنع الشبكة الاستخبارية التي قتلت، في 1998، الوزير السابق في وزارة مهدي بازركان، داريوش فوروهار وزوجته بارفانيه اسكندري، وكاتباً وصحافيين، كلهم إصلاحيون. وأرادت أوساط أنصار حزب الله الانتقام لقتل أسد الله لاجوردي، المسؤول السابق عن إدارة السجون في العقد السابق (ونُشرت وصية نُسبت الى لاجوردي، وفيها أن قتلة رجائي وباهونار، من أعيان النظام في أوائله، هم من داخل النظام)، والثأر لمحاولة اغتيال محسن رفيق دوست، رئيس مؤسسة المستضعفين وأحد مؤسسي الحرس الثوري وقادته الأوائل في ذروة الحرب العراقية- الإيرانية. ولم ينفك "الأنصار" هؤلاء عن الاعتداء بالضرب والطعن على الصحافيين الإصلاحيين. واضطر التحقيق القضاء المحافظ إلى تهمة بعض موظفي وزارة الاستخبارات، واستقالة بعضهم، وانتحار سعيد إمامي أحد كبارهم، وتقديم غورباتالي دري نجف أبادي، الوزير، استقالته التي رفضها المرشد.



القمع الاقوامي والمذهبي

واتفقت الاغتيالات مع تظاهرات طالبية حاشدة بطهران، ومع تظاهرات بسنندج ومريوان الكرديتين، فرّقتها قوات الأمن بالرصاص الحي. وسبقت التظاهراتُ المطلبية (دفاعاً عن باعة متجولين قمعتهم الشرطة) تظاهرات سياسية خرجت تأييداً لعبدالله أوجلان، وتنديداً باعتقاله، في شباط (فبراير) 1999. وتذرّع كرد المناطق الكردية باحتفالات الثورة، في العُشر الأول من الشهر، الى مواصلة التظاهر. فقتلت الشرطة، و "الحرس" الوصي عليها، 13 متظاهراً وجرحت 1500. وبين القتلى طفل، أو ولد، وأربع فتيات "صغيرات"(17). وقايضت السلطات، أي الحرس الثوري، تسليم الجثث الى الأهل بالمال، ما حمل نائب الدائرة الى مجلس الشورى، وهو كردي سني من أنصار الحكم، على الشكوى والتنديد. ودعا محافظ المدينة، "وهو شيعي كالعادة" على قول الرابطة "ولكنه من أنصار هاشمي رفسنجاني"، الى التهديد بالاستقالة. والتقط الحرس صوراً للجرحى في المستشفيات، واستدعى بعضهم إلى التحقيق، واشترى تعليق ملاحقتهم الأمنية والقضائية بـ "عملهم" في جهازه الاستخباري ووشايتهم بإخوتهم وزملائهم. ويشتري الجهاز الأمني "عمل" بعض الشبان السنّة، على مختلف بلدانهم وأقوامهم، إما بالتوظيف أو بالدراسة الجامعية، وهما مرفقان مقننان وغالباً مسدودان في وجه الشباب السنيين، على ما تشهد هجرة واسعة في صفوفهم إلى باكستان وبلدان الخليج، على وجه الخصوص، وإلى تركيا. ومالت أسعار النفط، في العامين الأخيرين من تسعينات القرن العشرين، والأعوام الثلاثة الأولى من العقد الأول التالي، الى الانخفاض. وتقلصت عوائده الإيرانية، بينما يعاني الاقتصاد علّتيه البنيويتين، ضعف الاستثمار والعمالة وتوسع البطالة والتضخم (على رغم تدافع الأمرين الأخيرين أو "تناقضهما"). فتعمّدت السلطات حرف التذمر صوب الأفغان المهاجرين الى إيران هرباً من حروب أفغانستان الأهلية والإقليمية. وانتخبت من مليونين الى 3 ملايين من المهاجرين، من الأقوام والملل الأفغانية كلها، شطرهم السني، وخصّته بالتحريض وبإجراءات الطرد والعودة القسرية. وناشد 153 نائباً في مجلس الشورى رئيس الجمهورية، والسلطة التنفيذية، التعجيل في طرد المهاجرين واللاجئين الأفغان(18). فأوَّل البلوش، وهم شطرهم الأعظم في باكستان وأفغانستان، الإجراء اضطهاداً مذهبياً لهم ولأهل "ملتهم".

والسياسة الأمنية والقمعية المباشرة، على وجهيها "الفارسي" والأقوامي، سعت في تقويض قوام الجماعات وتصديع عوامل تماسكها، وقطع دابر حركاتها السياسية الذاتية، فتعدت اغتيال الرئاسات والنخب والقيادات، وسجنها وتهجيرها وتهديدها، على ما تقدم بشيء من التفصيل، إلى إضعاف الهيئات التي ترعى تجديد عوامل التماسك وتوارثها، وتحضن إعداد النخب ودوامها، وفي صدارتها المساجد والمدارس الدينية واللغة القومية والتعليم الجامعي ومرافق العمل المحلية والبلدية. ومعظم المشايخ الذين اغتالتهم الأجهزة الموازية، أو اضطهدتهم السجون والمحاكم والهجمات الليلية وهجَّرتهم، هم أئمة مساجد، وفقهاء ومفتون متواضعون، ومدرّسون في مدارس دينية باللغات القومية. فقتلهم أو سجنهم وخطفهم أو تغييبهم، على قول النظام في بعض رجالاته، وتهجيرهم، كلها ترمي الى نخر مقومات الجماعة القومية والمذهبية، وهدم أركان دوامها واتصالها الاعتقاديين والتاريخيين. ولعل الإصرار على حرمان مسجد خاش ومدرستها الدينية من مدرِّسيْها، الشيخ عبدالستار البلوشي أولاً في 1996، ثم الشيخ يار محمد كهرازهي من بعده، في 1998، وقتلهما الواحد تلو الآخر، قرينة على إحكام السياسة، وسعيها الدائب في غرضها.



غلق المساجد والمدارس

وفي هذه المسألة كذلك، ليس في متناول المراقب ثبتاً متصلاً بالمساجد والمدارس التي عمدت السلطات الى غلقها. وكانت ذريعتها، في أول الأمر أي في سنوات الحكم الجديد الأولى انفلات الجماعات المحلية في النواحي النائية، وهي مواطن الأقوام السنّة، من القيود الإدارية المركزية على المساجد والمدارس، ومبادرة السنة بإيران الى التعويض عن ندرة المساجد والمدارس المرخصة في العهد الشاهنشاهي، وإنشاء المساجد والمدارس عشوائياً، وحيثما وسع الأهالي إنشاءها. ولما كانت التبرعات في سبيل تشييد المساجد والمدارس، وإجراء المرتبات على الأئمة المدرّسين، وتوزيع المنح الدراسية على طلبة علوم الدين، خليجية المصدر في معظمها ومن الأهالي المحليين المهاجرين الى بلدان الخليج وفي مقدمها دبي والإمارات، حملت سلطات طهران حركة بناء المساجد والمدارس، ومشتقاتها التعليمية والطباعية، على سياسة نعتتها السلطات بـ "الوهابية". ونسبتها الى "هجوم" سني يريد الالتفاف على الدولة الشيعية الإمامية في عقر دارها، والتصدي لسياسة "تصدير الثورة" الى العالم الإسلامي، وإلى البلدان العربية التي تحتضن معالم دينية ورمزية راجحة على حدود إيران البرية والبحرية، ويحل بعضها شيعة إماميون إثنا عشريون هم جزء لا يتجزأ من الجماعة الوطنية. وأرسى النزاع الإقليمي الذي انفجر مع انتقال إيران من نظام الى نظام، في الداخل والخارج، وجوه الخلاف القديمة والجديدة على الأرض والبشر والسلطان، أرساها على نزاعات أضداد ونقائض متصلة ومتداخلة: النزاع الإيراني- العربي، النزاع الشيعي- السني، النزاع "الثوري" التقليدي، وهبت الحرب العراقية- الإيرانية على مركب النزاعات. واتصلت الى "حرب الحج" في 1983- 1986، وقبلها الى الحرب الإسرائيلية- اللبنانية (العربية)، والاحتفال بيوم القدس (رداً على "يوم الأرض" الفلسطيني الوطني)، وإلى فتوى خميني في سلمان رشدي وروايته في 1988...

فسوغ اتصالُ النزاعات، وشبكُ بعضها ببعض، مبادرة طهران، وسلطاتها الحاكمة وكتلها العلمائية الحوزوية وضباط حرسها وإدارييها المحليين المندوبين الى حكم الجماعات القومية والمذهبية، الى تعظيم مسألة المساجد والمدارس والبعثات. فتشبثت بحظر تشييد مسجد للسنة بطهران، على رغم توصية مؤتمر التقريب بين المذاهب بطهران، في 1982، بتمليك سنّة المدينة ارضاً تصلح موقعاً لمسجدهم العتيد. ولا ينفك سنّة إيران ينددون بحرمانهم إنشاء مسجد بطهران، ومساجد المسلمين ترتفع في عواصم العالم الغربي كله، وفي مستطاع مسيحيي طهران ويهودها وزرادشتها (مجوسها)، من دون أهل "الإسلام" (على ما نص الدستور)، الصلاة في كنائسهم وكُنُسهم و "صوامعهم"، على قول رابطة أهل السنة. فصادرت السلطات مسجد أهل السنة في مدينة الأهواز، في مطلع الحرب العراقية- الإيرانية، واحتل الباسيج مسجد قبا، بمدينة تربت جام السنية. وسُوي مسجد نغور، ببلوشستان، ومدرسته الدينية بالأرض. وصادر حاكم شيراز مسجد الحسنين، وكان إمام جمعته الدكتور علي مظفريان، الطبيب الشيعي قبل اعتناقه معتقد أهل السنة، أعدم، وحول المسجد صالة سينما. وبشمال غرب إيران، بمدينة طوالش اعتقلت السلطات إمام جمعة أهل السنة، وعذبته وقررته العمالة لإسرائيل، وصادرت المسجد ومدرسته(20).

ولم تقتصر حملة الهدم والغلق وتحويل وجهة الاستبدال والمصادرة على مساجد مستحدثة في بلاد نائية. فتعرضت لمساجد تاريخية مثل مسجد شيخ فيض بمشهد، ويعود تشييده الى أواخر القرن الثامن عشر(م). ومهد بنيانه بالأرض (1994)، ونصبت حديقة عامة مكانه، غير بعيد من دار والد علي خامنئي، المرشد الجديد (يومها). ويروى عن ناظر (سادن) ضريح الإمام علي الرضا ووقفه بمشهد، الشيخ طَبَسي، انه قال: لا يجوز أن يبقى معلم سني في دائرة 100 كلم من الضريح. وكانت مشهد موئل اجتماع الحجاج السنّة من بلوشستان وخراسان إلى مكة والمدينة، ويلتقون بمسجدها قبل سفرهم. وبمشهد نفسها، كان رخّص ببناء مسجد 4 آبان، غير ان انتخابات خامنئي الى منصب المرشد بعث "حرمة" المدينة وجوارها على السنّة، فحيل بين الترخيص وبين إنفاذه(21). وغلق مسجد الإمام الشافعي بباختران بعد اغتيال إمامه وخطيبه ملا محمد ربيعي، ومسجد كنارك ببلوشستان. ومُنع بعض سنة يزد من جميع التبرعات لبناء مسجد فيها بقطعة أرض سبق شراؤها. وبكرمنشاه، منع المصلون من إقامة الجمعة في مسجد الإمام الشافعي. وتهدد السلطات أهلها بهدم مسجد البرزنجي، وهو مسجد أهل السنّة، وتختلق الذرائع لذلك. وهاجم الحرسيون المسجد المكي بزاهدان، غداة هدم مسجد شيخ فيض، وأطلقوا النار على المصلين بذريعة أنهم تجار مخدرات. وفرقوا تظاهرات سلمية في مدينتين "سنّيتين" هما نيكشهر وتربت جام. وبادرت قوى الأمن إلى غلق "حوزة" الإمام الشافعي بمهاباد، ومدرسة صالح آن بسرخس، ومدرسة بدرغاه شيحان بمريوان. ولم تعف عن التكايا الصوفية. وحصة بلدات بلوشستان وشرق خراسان من الهدم والغلق كبيرة. فتطاولا (الهدم والغلق) الى دولي جلال ودولي بهلول وخشتي وخطابي شنغل... و8 بلدات غيرها.

هجرة العلماء

ودعا غلق المدارس والمساجد، وحظر البناء، الى اغتيال العلماء وسجنهم وإدانتهم أمام قضاء مذهبي وثوري أي سياسي خالص، دعت هذه عشرات العلماء والدعاة والطلاب المتقدمين الى الهجرة. وتحصي بعض نشرات رابطة أهل السنة في إيران، في 1999، أسماء 26 عالماً اضطروا الى الهجرة، إما بعد الاعتقال، وهو شأن الشيخ محيي الدين البلوشستاني، وإما بعد التعذيب، شأن الشيخ نظر محمد ديدكاه النائب السابق في مجلس الشورى، وإما بعد الترهيب، شأن الشيخ علي أكبر ملازادة، فترك بلوشستان بعد إطلاق النار عليه...

وتتوسل السلطات المذهبية الى التضييق والقهر والإحراج بوسائل أخرى، منها تغيير أسماء المدارس السنية بأسماء أصحاب روح الله خميني، وفصل مدرّسي الدين في مدارس السنّة، وتولية التعليم الديني مدرّسين شيعة يدرّسون عقيدة أهل السنة، وتقرير كتب دينية للتدريس "تقرب" بين المذاهب على طريقة السلطة وتنفي الفرق بينها، وفتح مدارس دينية رسمية يتولى التدريس فيها أنصار السلطة ويوعد الملتحقون بها بالإعفاء من الخدمة العسكرية وتأمين العمل المجزي بعد التخرج، وإنشاء مساكن لطلاب أهل السنة القادمين من القرى للدراسة في المدن وتوكيل علماء شيعة بإدارتها وتعهد طلابها، وتنظيم رحلات تسرية وترفيه لطلاب المدارس السنية الى مقامات الأئمة، وكتابة شعارات التشيع الإمامي على جدران المدارس، والحمل على الاحتفال بموالد "اهل البيت" ومساواتهم بالأنبياء...

الادارة المباشرة

ولم يقتصر أمر السياسة الأمنية والقمعية على اغتيال الرئاسات وسجنها وتهجيرها وتهديدها، وغلق المدارس والمساجد وتهجير العلماء. فعمدت الأجهزة العسكرية والأمنية الموازية- الباسدران والباسيج، وهي حلت تدريجاً محل الأجهزة الرسمية وغلبت عليها عديداً وعتاداً ونفوذاً سياسياً وأهلياً وقوة اقتصادية-، ومن ورائها أعيان العلماء النافذين والمتحكمين في "المجالس"، الى السطو على إدارة الأقوام وبلادها مباشرة، ومن غير وساطة نخبها الأهلية، القومية والمحلية والمذهبية. ولم يخفَ على الأهالي المثال "الاستعماري" الذي يقتفيه نظام ولاية الفقيه الخميني فالخامنئي. فكتبت "حركة التجمع الوطني في الأحواز (عربستان)" الى أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، في 23/3/2002(21)، تفند إجراءات "الأنظمة الإيرانية المتعاقبة"، وآخرها "الجمهورية الإسلامية". ويعدد الكتاب إجراءات ليس بينها إجراء مذهبي، وذلك في بلاد استمالت الدولة، والمساكنة الطويلة على جهتي الحدود الإيرانية والعراقية الجنوبية، أهاليها الى التشيع الإمامي.

ولم يشفع التشيع للأحوازيين وبلادهم، فجرت عليهم قوميتهم أو إثنيتهم السياسة نفسها التي تنتهجها الدولة في الأقوام والبلاد والتي تجمع الاختلاف القومي الى المذهبي. فهي (الدولة) باشرت حكم خوزستان حكماً عسكرياً وعرفياً، وألغت هيئات الحكم العربي السياسية والإدارية والقضائية، وبنت الثكن العسكرية وسلحتها على نحو يقصد به "مراقبة وقمع وإرهاب أبناء الأحواز". واقتطعت "عشرات آلاف الكيلومترات المربعة" من أراضي الأحواز، وضمتها الى إيران، ونقلت جماعات من العرب قسراً إلى شمال إيران وأحلت محلهم فرساً استقدمتهم من الداخل، وحظرت الحكومات في المحاكم ترجمة الوثائق عن اللغة العربية وإليها، فحالت بين المتقاضين الأحوازيين وبين مراجعة المحاكم. وسلطت على الإدارات الحكومية و "مرافق الإنتاج" والعمل الإيرانيين الفرس، وقدمتهم على الأحوازيين، على رغم قلة عددهم النسبية. وألغت صكوك الأملاك والأرزاق الموروثة، وأجبرت أصحابها على النزول عن الأملاك من غير تعويض، الى الفلاحين الفرس المستقدمين. وجففت الأنهار المحلية، وجرّت مياهها الى الداخل. وفرضت الضرائب الباهظة على المحاصيل المحلية، وعلى العاملين المحليين. وأهملت الرعاية الصحية والخدمات. وحظّرت التعليم باللغة العربية واقتناء الكتب العربية، وارتداء الزي العربي على الأهالي. ودأبت المحاكم على إصدار أحكام الإعدام على العرب المدانين من غير محاكمة. وتشن أجهزة الأمن حملات الاعتقال على الشباب، وتسجنهم وتعذّبهم وترهبهم، استباقاً لتظاهراتهم واحتجاجاتهم. ويخلص الكتاب الى تقويم "الخطر الذي يهدد الكيان العربي في الأحواز" بالقول انه "أشد فتكاً من الاستعمار"، ويقارنه بـ "خطورة... الصهيونية في فلسطين الأبية".







القسم الثالث

القوميات الايرانية... وليس المذاهب



في 20 شباط (فبراير) 2005، التقى بلندن مندوبون عن 7 منظمات "قومية" إيرانية تداعت الى مؤتمر مشترك يتولى تنسيق أعمالها ومبادراتها ومطاليبها في الحرية والديموقراطية. وسمت لقاءها "مؤتمر القوميات الإيرانية في سبيل إيران فيديرالي"(22). والمنظمات المجتمعة هي الحزب الديموقراطي في كردستان إيران، وحزب كومالا في كردستان إيران، والجبهة المتحدة لبلوشستان إيران، وحزب الشعب البلوشي، وحزب التضامن الديموقراطي للأحواز، والحزب الديموقراطي الفيديرالي لأذربيجان، ومنظمة الدفاع عن حقوق الشعب التركماني. وجمعت مؤسسة البحوث الجمهورية (الأميركية)، اميركان انتربرايز إنستيتيوت، في 26 تشرين الأول (اكتوبر) 2005 بواشنطن ندوة عنوانها: إيران المجهولة: وجه آخر من الفيديرالية؟ اشترك في أعمالها حسين بور، عن جبهة بلوشستان المتحدة، وعلي الطائي، أحد قادة حزب التضامن الديموقراطي للأحواز، ومرتضى اسفندياري، مندوب الحزب الديموقراطي في كردستان إيران الى الولايات المتحدة، ورحيم شابازي عن الجمعيات الأذرية بشمال أميركا. والمؤتمر والندوة جمعتا ممثلين عن حركات قومية ومحلية إيرانية تسعى في سبيل انتزاع اعتراف طهران بها، والإقرار بحقيقة مطاليبها وحاجاتها. والحركات القومية والمحلية تقر على هذا القدر أو ذاك، بوحدة الدولة الإيرانية، وتقصر برنامجها السياسي المشترك على الصيغة الاتحادية أو الفيديرالية وعلى حكم القوميات الذاتي.

وتقدم القوميات وحركاتها السياسية الناشطة الصفة القومية والشعبية على سمة أخرى قائمة وحقيقية هي السمة الدينية المذهبية. فهي تتقاسم على مقادير متفاوتة الانتساب الى إسلام السنة والجماعة. ولكن غلبة الهوية السنية على البلوش والكرد والتركمان لا تحجب غلبة التشيع الإمامي الإثني عشري على الأذريين والعرب، أو انتساب شطر من الكرد والتركمان الى هذا التشيع. وعلى هذا، فالقاسم المشترك والغالب، من غير قيد مذهبي أو ديني، على الجماعات المتظلمة من سياسة طهران المركزية والمتشددة، هو الهوية القومية الأقلية والمركبة. وألَّف بين نزعاتها المتفرقة طلبُ الإدارة الذاتية والمحلية في إطار دولة اتحادية واحدة. وكان مقدَّراً لطلب الانفصال ومحتماً عليه أن يميز الجماعات المتذمرة بعضها من بعض، ويدعو الواحدة منها الى الذهاب في حال سبيلها من غير "خصم" أو "عدو" مشترك تناصبه المعارضة في جبهة متماسكة أو مؤتمر واحد.

ويتدارك طلب الفيديرالية تشرذم الأقوام، وانفراد القوم الواحد، على حدة، بحركته الانفصالية أو الاستقلالية، من وجه أول. ومن وجه ثان، يستبق طلب الفيديرالية الانقسامات اجنحةً وتيارات متنازعة في صفوف القوم الواحد، ويحبط ربما انفجار الحركات "القومية" أحزاباً متقاتلة ومتحاربة. وبعض التأمل في المنظمات الأحوازية العربية، غداة ثورة 1979 واستيلاء روح الله خميني وأنصاره وحزبه على حكم إيران، يقود الى ملاحظة عمق الانقسامات القائمة والمحتملة. فالحركة الثورية الديموقراطية، وهي نشأت في 1980، جعلت "الحكم الذاتي" بغيتها، بينما ذهبت اللجنة الثقافية الأحوازية (1982) الى أولوية التثقيف، وتوعية أبناء الإقليم العرب. وأرفقت بالحكم الذاتي، وهو بند مزمن في برامج الحركات الأحوازية، بند حق تقرير المصير، وأثبتته حقاً مبدئياً. فخطت خطوة أبعد من الحكم الذاتي المقيد بالدولة الاتحادية، ولوحت باحتمال الانفصال والخروج من عباءة الدولة الواحدة. وحين نشأت الجبهة الديموقراطية الشعبية للشعب العربي الأحوازي (1990)، حملت الحق في تقرير المصير على "الخلاص والتحرر من العبودية والاحتلال"(24). والحركات البلوشية أعمق انقساماً وخلافاً من الحركات الأحوازية. فأعمال "جند الله" العسكرية، وعوائدها الانتقامية القاسية على سكان سيستان- بلوشستان لا تحظى بإجماع الأهالي ولا بإجماع "الوجهاء" وأهل الصدارة منهم. وهي حال "بيجاك" الكردية، المقاتلة، في كردستان إيران. وأخيراً، تتلافى الفيديرالية، أو الحكم الذاتي، ظهور أثر الفروق المذهبية في الوحدة القومية وتصديعها. فالبلوش وحدهم يجمعون اعتناق مذهب واحد في قوم واحد ومتجانس، على خلاف الأقوام الأخرى كلها. وبعضها، مثل عرب الأحواز وأذريي الشمال، يغلب التشيع عليهم، وتشدهم رابطة المذهب إلى الكثرة القومية- المذهبية.



انعطاف 2003-2006

وأما انعقاد "مؤتمر القوميات الإيرانية في سبيل إيران فيديرالي" في الوقت الذي انعقد فيه (أي شباط/ فبراير 2005) فيتفق مع ظروف وحوادث واضطرابات داخلية وإقليمية متضافرة، ويستجيب دواعي ناشئة عن الظروف والحوادث والاضطرابات هذه. فمنذ اواخر 2003، وهي سنة غزو قوات التحالف الغربي، تحت قيادة أميركية، العراق القريب وإسقاطها صدام حسين ونظامه وسيطرتها على محافظاته، سرت في إقليم الأحواز أصداء الحادثة المزلزلة والمتصلة. ولا ريب في ان انتشار عشرات آلاف الجنود الغربيين، الأميركيين على وجه الخصوص، على طول الحدود الإيرانية- العراقية المشتركة، المأهولة في شطرها الجنوبي (الغربي) بالأحوازيين العرب، وفي شطرها الشمالي بالكرد، صوَّر للقومين المتململين مؤاتاة الفرصة والوقت لبعث أو تجديد المطالبة المزمنة بحقوق أهلية قديمة، وبرفع حيف ليس أقل قدماً. فـ "امريكا" التي استنزل المتظاهرون الإيرانيون المتحزبون للخميني ونظامه "الموت" عليها ولها منذ غلبتهم على الحكم قبل نحو ربع القرن (يومها)، دخلت أراضي الجار العراقي من غير مقاومة يعتد بها، ونشرت قواتها وقوات حلفائها على طول الحدود، وحلت الجيش، وتعقبت أعيان "الدولة"، وأصدرت قانون مجلس الحكم الانتقالي. وكانت، قبل عام ونصف العام (أواخر 2001)، أسقطت حكم "طالبان" في أفغانستان. وأصاب الغزو والاحتلال أول ما أصاب الدولة المركزية المتسلطة، وحررا من قبضتها الشديدة الأقوام أو "المكونات" المقهورة، وفي مقدمها "المكون" الشيعي والمكون "الكردي"، المقيمان بإيران لصق الحدود المشتركة وعلى طرفيها الغربيين. ولكنهما، أي الغزو والاحتلال الغربيان الأميركيان، كانا كذلك ذريعة انفجار "جهادي" سنّي غذّته الجماعات المقاتلة الوافدة من أنحاء العالم العربي والإسلامي القريبة والبعيدة، ومن جاليات الانتشار في أوروبا المتوسطية. وتعهدت "القاعدة" بعض هذه الجماعات، بينما صدر معظمها الغالب عما سمي الجيل الجهادي الثالث الذي رعته وحضنته شبكات الاتصال والمنتديات والمواقع الإلكترونية المعولمة في صنفي "البلاد": بلاد الإسلام ومَهاجر غير المسلمين(25).

"انتفاضة" الأحواز

ومهما كان من أمر منعطف 2005 وعوامله الكثيرة (ونعود الى المسألة لاحقاً)، فالقرينة القوية على الانعطاف برزت واضحة وحادة في نيسان (ابريل) 2005. فطوال نحو اسبوع عمّت مدن خوزستان، وعلى الخصوص الأهواز، اضطرابات وتظاهرات، تخللتها مداهمات واعتقالات ونصب حواجز أمنية وحصار حارات سكنية وحرق محال تجارية ومنازل، وأسفرت عن مقتل أكثر من 20 شخصاً، معظمهم من الأحوازيين، وجرح فوق المئة. وتعزى الحوادث هذه الى سبب مباشر هو إذاعة وثيقة "رسمية" تشير على الإدارات المحلية بالإعداد لتغيير المركّب السكاني الأحوازي، العربي اللغة والأنساب، ونقل شطر من السكان الى محافظات إيرانية أخرى. وتدعو الوثيقة المفترضة الى التضييق على الأحوازيين في أجورهم ومرتباتهم، وفي توظيفهم وعملهم، كما في سكنهم، هذا الى تشديد مراقبتهم السياسية والأمنية(26). وحركت إشاعة الورقة الرسمية الخلاف المزمن على ولاء أهل الإقليم العرب، والتشكيك الإيراني المركزي فيه، على رغم خذلان الأحوازيين تعويل صدام حسين على انحيازهم العصبي والعروبي الى حملته العسكرية (في خريف 1980)، أو الى احتلاله أراضي إيرانية طوال سنة ونصف السنة (إلى اوائل ربيع 1982).

وردت طهران، وحرسها الثوري (الباسدران) وشرطة متطوعيها (الباسيج)، رداً عنيفاً، على ما يشهد إحصاء القتلى والجرحى يومها، وتشهد محاكمات عرفية متصلة قضت بإعدام 15 رجلاً دينوا بالاشتراك في أعمال تفجير بالأهواز توالت في حزيران (يونيو) وتشرين الأول (اكتوبر) 2005، وفي كانون الثاني (يناير) 2006، وذلك في أعقاب اضطرابات نيسان. ومنذ 2005، يحتفل الأحوازيون بـ "يوم الغضب"، ويجددون تعاهدهم على مقاومة تذويبهم في هوية "وطنية" أو قومية وثقافية واحدة تنكر على أقوام إيران هوياتهم الخاصة. وكانت الحلقة الظاهرة ما قبل الأخيرة من سياسة الردع والقمع الإيرانية، إعدام 9 أحوازيين عرب في 8/5/2011، 3 منهم هم الأخوة علي وجاسم وناصر حيدري شُنقوا على الملأ في أحد الأحياء العربية، مفترق طرق الحميدية، بغرب مدينة الأحواز. والحلقة الاخيرة، موقتاً من غير شك، هي مقتل نحو 30 عربياً أحوازياً في ربيع 2012، في ذكرى نيسان (ابريل) 2005 هذا(27). وعزت أجهزة طهران حركة الاحتجاج الأحوازية الى يدٍ بريطانية وسعها التدخل، على قول الأجهزة، غداة تولي القوات البريطانية الإشراف على محافظة البصرة، قبالة الأحواز، في إطار توزيع المهمات الإدارية والعسكرية على قوات التحالف المحتلة بالعراق. وربطت ربطاً مباشراً بين الحركة الأحوازية، القديمة قدم ضم الأحواز الى الدولة الإيرانية في 1925 عن يد رضا شاه بهلوي وإلغاء إمارة المحمرة الكعبية (نسبة الى بني كعب)، وبين لقاء مفترض جمع منصور أحمد الأحوازي، رئيس الجبهة الديموقراطية الشعبية للشعب العربي الأحوازي (الاستقلالية والانفصالية) بجاك سترو، وزير الخارجية البريطاني، واستقبال البيت الأبيض سعيد طاهر نعمة الأحد، الرجل الثاني في جبهة تحرير خوزستان، في 23/4/2005(28).



الحركة الأذرية

وصادف ربيع 2005 وصيفه إحياء الأذريين بأذربيجان إيران، شمال إيران (مثلث تبريز وأردبيل ورشت بين بحر قزوين شرقاً وبحيرة أورومية غرباً)، عيدهم الثقافي والتاريخي في قلعة بابك، في الرابع والخامس من تموز (يوليو) كل عام. واحتشد حول القلعة "القومية" في صيف 2005 نحو مليون و200 ألف أذري. واستبقت أجهزة طهران الاحتشاد باعتقال عدد من الناشطين والمنظمين. وأحالت 21 منهم الى القضاء، فدينوا بمناهضة النظام، أي ولاية الفقيه الإمامي والجعفري، وإنشاء منظمات سرية تحاربه، وحكموا بالسجن مدداً بين 3 أشهر وسنة. وآذنت التظاهرات الثقافية والتاريخية هذه بتظاهرة سياسية وقومية عارمة بتبريز في 24 أيار (مايو) 2006، جمعت 25 ألفاً وأدت الى توقيف 254 متظاهراً ومقتل 10 على أضعف تقدير. وعلى نحو يشبه بعض الشبه الوثيقة السرية الأحوازية، كان الباعث على التظاهر نشر صحيفة "إيران"، وهي من إصدارات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، في 16 أيار، رسماً كاريكاتورياً يُرى فيه صرصار يسأل باللغة الأذرية، وهي واحدة من اللغات التركية، "ماذا؟". ولم ينمّ الرسم الكاريكاتوري والساخر، في الصحيفة الرسمية والوزارية، بسياسة تمييز مركزية وقومية سكانية، على ما هي حال الوثيقة الأحوازية المفترضة، ولكنه نمَّ باستعلاء قومي و "ثقافي" لا شك فيه.

والقمع الذي صاحب احتشاد الاحتفالات حول قلعة بابك، ثم التصدي للمتظاهرين من طلاب وتجار بازار، وإطلاق النار القاتل عليهم، وإظهار الصحيفة الرسمية ازدراءً عنصرياً بالقوم الكبير الذي تميزه لغته فوق ما تميزه مكانته الاجتماعية والسياسية- هذه كلها حركت في الأذريين نازعاً ذاتياً واتحادياً أو فيديرالياً لم ينفك يراود أهل أذربيجان الإيرانية، على رغم انخراطهم السياسي والاجتماعي والمذهبي (الإمامي) في الدولة الوطنية الإيرانية. وعشية التظاهرة الدامية بتبريز، كانت التظاهرات انتشرت في بعض مدن أذربيجان الأخرى، مثل ماراند وأورومية وغوشاشاي، وهتفت شعارات ترجحت بين إعلان الرغبة في الإدارة الذاتية أو أكثر، مثل "أذربيجان واحدة عاصمتها تبريز"، وبين إعلان نازع قومي يجمع شطري أذربيجان (تبريز الإيرانية وباكو الأذرية السوفياتية السابقة) إلى أنقرة التركية، مثل هتاف "باكو- تبريز- أنقرة". غير ان التظاهرات التي عمت، غداة تظاهرة تبريز، مدناً أخرى مثل مشكين شهر، حسمت الترجح، فهتف متظاهرو هذه المدينة: "نحن إيرانيون أتراك ولسنا أتراك إيران"، "حين تشتم أذرياً فأنت تشتم إيرانياً". ولم يدعُ ذلك رئيس الجمهورية، محمود أحمدي نجاد (في 25/5 وفي 28/5)، ولا دعا المرشد الأعلى، علي خامنئي (في 29 من الشهر)، الى التحفظ علناً عن تهمة المتظاهرين بالانقياد الى "نفخ العدو في الحزازات القومية (الإثنية)". ولكن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، وهو رأس الوزارة التي تنشر المطبوعة المدانة، اعتذر من الأذريين، وطلب الصفح عن الرسم الساخر، وأوقف الرسام ومحرر الصحيفة عن العمل(29). وإقرار حكومة محمود أحمدي نجاد، ومِن ورائها وفوقها المرشد وفريقه، ببعض المسؤولية عن التململ الأذري المتعاظم، حمل وزير الداخلية مصطفى بور- محمدي، وهو أرجح ثقلاً من وزير الثقافة والإرشاد، على جمع حكام المحافظات، في أواخر أيار (مايو) 2006، وتحذيرهم توسل "العدو" بالمشكلات الصغيرة والثانوية، وتعظيمها. ولا شك في أن نصب عيني الوزير الأمني، وهو يحذر أذرعه الإدارية المباشرة، تواقتُ الاضطرابات في الأطراف القومية والمذهبية، العربية والأذرية (على رغم غلبة التشيع الإمامي على خوزستان وأذربيجان إيران) والكردية والبلوشية، السنية، فيما بينها، وتواقتها مع تفاقم ذيول احتلال التحالف الأميركي الغربي العراق، وقبله أفغانستان. فقبل مؤتمر لندن العتيد، في شباط (فبراير) 2005، بنحو سنتين صرح أحد وجوه المعارضة الأذرية في الخارج، محمود علي شهره غاني، أن الحملة على صدام حسين نزعت الخوف من الملالي من قلوب الأذريين. وجهر رغبته وقومه في التخفف من "الشوفينية الفارسية"، وفي جمع شمل الأذريين على جهتي الحدود الإيرانية (حول تبريز)- الأذرية (حول باكو).

الاضطراب الكردي

وصادفت اضطرابات اذربيجان إيران في 2003- 2006، وذورتها في 2005- 2006، حوادث قد تفوقها خطورة، مسرحها كردستان إيران هذه المرة. وحين أراد محمود علي شهره غاني، غداة التظاهرات الطلابية بإيران، في تموز (يوليو) 2003، لقاء وزير خارجية تركيا عبدالله غل، ومفاوضة أنقرة بعد باكو على مساندة تبريز وحركتها الباطنة، امتنع رأس الديبلوماسية التركية من استقبال الناشط الأذري الإيراني، على رغم توصية أميركية حارة. وجزت طهران، وحرسها الثوري، أنقرة خيراً عن إمساكها وتحفظها هذين، فهاجمت قواتها قواعد مقاتلي حزب العمال الكردستاني أو فرعه الإيراني، "بيجاك" (حزب الحياة السعيدة) لاحقاً(30). وكان مقاتلو "العمال الكردستاني" يلجأون في حربهم الدامية على قوات أنقرة العسكرية الى خطوط خلفية نائية وحصينة في جبال كردستان العراق وكردستان إيران، ويحتمون بها وبسيادة الدولتين، العراق (الإقليم الاتحادي منذ 2003 عملياً) وإيران، من الهجمات التركية. فاحترام السيادة الإقليمية ألزم القوات التركية تجنب انتهاك سيادة الدولتين، على هذا القدر أو ذاك. وغضت طهران النظر بعض الشيء عن أعمال "بيجاك" العسكرية الدفاعية بأراضيها، وأعملتها في سياساتها المتقلبة والظرفية بإزاء تركيا، المنتقلة الى قيادة حزب التنمية والعدالة "الإسلامي المعتدل" في 2002 والمتحفظة عن الغزو الأميركي، وبإزاء الإدارة الكردية الذاتية للإقليم العراقي الشمالي. وهذه توجت قيام كرد العراق على صدام حسين و "حروبه" المدمرة عليهم، ترحيلاً وتوطيناً قسرياً وقتلاً جماعياً بالسلاح الكيماوي، وكانت هدية أميركية ثمينة للحركتين الكرديتين المحليتين، وقيداً ثقيلاً على أنقرة وسياستها الكردية الفظة، وشرطاً أثقل على طهران وسياستها القومية والمذهبية المتزمتة والقاهرة. وأنقرة طرف أو قطب على رغم منها أحياناً، في الموازنات الأذرية (التركية) الإقليمية، إما مباشرة وإما بواسطة دورها الحاسم في المسألة الأرمنية وتحكيمها المفترض والمنتظر في الخلاف الأذري- الأرمني. وهي كذلك طرف وقطب في المسألة الكردية الإقليمية وحواشيها الدولية. وترتب عليها قطبيتها المزدوجة أدواراً ملتبسة، وتعود عليها بعوائد ليست أقل التباساً. وفي الأحوال كلها، تعود سياستها الكردية، في كردستان تركيا وسوريا والعراق، على إيران بنتائج تحتسبها الدولتان الجارتان والمتنافستان احتساباً دقيقاً.

وقد تكون كردستان إيران، قبل تصدر بلوش سيستان- بلوشستان المنازعات الطرفية بإيران، أكثر الأقاليم اضطراباً، وحركتها القومية أقدم الحركات المترجحة بين الانفصال والاستقلال وبين طلب الحكم الذاتي والاتحادي. فالإقليم ومحافظاته الإيرانية الأربع، وأهله، شطر لا يتجزأ من الشعب الكردي ووطنه. وهذان تتقاسمهما اربع دول، اثنتان منها، ايران وتركيا قطبان إقليميان وازنان، وأمتان متماسكتا النواة القومية والسياسية والثقافية والمذهبية الدينية، ومتسلطتان على الأقليات القومية والمذهبية التي تأتلف الدولتان منها ائتلافاً رجراجاً. فلم تكد القوات الأميركية والغربية المتحالفة تدخل العراق من البوابة الغربية، الجنوبية الشرقية، وليس من البوابة الشمالية الغربية، التركية، حتى تداعت أصداء الغزو ومفاعيله في بلدان الجوار، وفي أقوامها، والقوم الكردي أولها. فالعراق الجديد و "الحر" الذي عاد الى القوات الأميركية تدبيره وإدارته تصدرت الفيديرالية، العربية- الكردية على أضعف تقدير وأوجبه، صورته الدستورية قانوناً وعملاً، على ما رسم ونص قانون الإدارة الانتقالية (دستور العراق الموقت) في 8 آذار (مارس) 2004. ولاحت الصورة هذه في أقاليم كردستان المتفرقة مثالاً منشوداً ومرغوباً، وباعثاً على المطالبة النشطة والملحة. وكان أثر المثال على مقدار حرمان الإقليم (الكردي) من الحقوق الذاتية وحدَّة هذا الحرمان. فقام أكراد الحسكة والقامشلي بسوريا- وهم أكثر الشطور الكردية حرماناً وتسليماً (وقد يكون مرد التسليم الى سكنهم السهل وإحاطة العشائر العربية بهم وإلى مشاركة الكرد في الحركة الاستقلالية السورية )- على الحكم "القومي" العربي المركزي، في آذار (مارس) 2004. وخلفوا 25 قتيلاً جزاء قيامهم ومطالبتهم بحقوق مثل إحصاء نحو 250- 300 ألف مكتوم منهم لم يُحصَ آباؤهم وأجدادهم في عداد المواطنين السوريين في 1963 وورثوا هم كتمانهم واطراحهم من الإحصاء ومن المواطنة.

وأجاب كرد إيران الواقعتين (المتصلتين؟)، وواقعة ثالثة هي مقتل 117 كردياً عراقياً بإربيل في الأول من شباط (فبراير)، بتظاهرات حاشدة دامت 3 أيام في سَرْدَشت. وفي بوكان، حرق المتظاهرون بعض فروع المصارف المحلية. فاعتقلت الشرطة فتاة وضربتها ضرباً مبرحاً قتلها. وفي مهاباد، سار عشرات الآلاف من المتظاهرين، واجتمعوا في ساحة شفارشيرا، حيث أعلن القاضي محمد جمهورية مهاباد "السوفياتية" في 1946، قبل الانصراف الى قبر القاضي وتحيته. وعم التظاهر مدن كردستان إيران السنية، دون الشطر الشيعي الذي تتصدره كرمنشاه. وحطم المتظاهرون، في مريوان، نصب حسين فهميده، الولد الكردي الذي هجم على دبابة عراقية وقُتل في الهجوم، وهو في الرابعة عشرة من العمر، ومثَّلت حكومة طهران بمقتله على "روح الاستشهاد الحسينية" (شعار الباسدران على لسان المرشد الأول روح الله خميني: "كونوا استشهاديين حسينيين")، وشيوعها في صفوف الكرد السنة. ويفترض هذا قرينة على استتباب القيادة والمثال لأركان الحكم بطهران. وهو داعٍ، بحسب حكام المحافظات وقادة الباسدران المحليين وفي عدادهم الدكتور رزّاني حاكم سنندج الجديد، الى انصياع كرد إيران إلى الحكم المباشر الذي تزاوله طهران. فرزّاني هذا وصف ثقافة الكرد بـ "الثقافة الفرعية"(31)، وقدَّم عليها ثقافة أصلية وكلية نهض حسين فهميده نصباً عليها. وتحطيم النصب في سياق التضامن مع كرد العراق، والاحتفال بفيديراليتهم الجديدة، وتجديد ذكرى القاضي محمد و "جمهوريته"- طعن في ولاية الفقيه، ومؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية وفروعها المذهبية، وفرع "الاستشهاد الحسيني" منها.

"جبهة" سيستان - بلوشستان

وإلى الناحية المقابلة من كردستان إيران، على الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية، شهدت بلاد سيستان- بلوشستان وبعض خراسان وكولستان في العامين اللذين أعقبا الحملة الأميركية والغربية (الأطلسية) على أفغانستان "طالبان"، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، تبلور تيار سياسي وعسكري جديد. ووُلد التيار شأن تيارات أخرى تشبهه في الوقت نفسه في صفوف الأقوام الإيرانية الأخرى، من الخلاف على المسألة الوطنية في شقيها: الحكم الذاتي في إطار دولة إيرانية اتحادية أو الاستقلال التام في إطار وحدة قومية جديدة. وعلى هذا، خرجت جبهة بلوشستان المتحدة- ايران، في 2003، من المنظمة الديموقراطية لشعب بلوشستان، ومن المجلس الوطني البلوشي. وهما منظمتان تدعوان الى الاستقلال الذاتي. وسوغ الخروج نشدان الجبهة الاستقلال والانفصال عن إيران في حلتها الدستورية والإجرائية والإيديولوجية المستقرة، وهي الحلة التي عجز محمد خاتمي في أثناء ولايتين رئاسيتين عن تغييرها و "إصلاحها". ويؤرخ بعضهم لظهور منظمة مقاتلة جديدة، هي "جند الله" أو "حركة جند الله في إيران"، في 2002، ويصفها بـ "حركة سلفية" تناضل في سبيل "رفع الظلم (عن) أهل السنّة عامة والشعب البلوشي خاصة (و)تحصيل حقوقهم"(32). ولكن الإعلان عن مبادرة "جند الله" الى عمل مسلح نسبته الحركة أو الجماعة إلى نفسها، لم يسبق آخر يوم من 2005. فأذاعت محطة العربية الفضائية، في 31 كانون الأول (ديسمبر)، بيان ناطق باسم الجماعة يعلن خطفها 9 جنود أو شرطيين إيرانيين من مخفر شرطة بسرافان غير بعيد من الحدود الإيرانية- الباكستانية(33). وقرن المراقبون الإعلان بحادثة سبقته بأسبوعين. ففي 15 كانون الثاني (ديسمبر) هاجم مسلحون موكب الرئيس محمود أحمدي نجاد الرسمي على مقربة من زابُل، وقتلوا جنديين من حرسه. واشترطت الجماعة في 4 كانون الثاني (يناير) 2006، إطلاق سراح 16 عضواً من أعضائها اعتقلتهم السلطات لقاء الإبقاء على حياة الجنود الرهائن التسعة، وهددت بقتلهم إذا لم تستجب السلطات الشرط. ورد وزير الداخلية الإيراني مصطفى بور- محمدي برفض المفاوضة، ونسبَ الجماعة السنّية الى "مدرسة طالبان" وإرهابها، وإلى الاستخبارات الأميركية، في آن.

وتوالت فصول المحاورة العنيفة. فأذاعت جماعة "جند الله" في 19/1/2006، من طريق فضائية العربية، شريط إعدام أحد الجنود الإيرانيين الرهائن رداً، على قول الجماعة، على "اعتداءات على شخصيات سنية في بعض المدن الإيرانية". وأتبعت الإعدام المصور بمهاجمة مجموعة من المسؤولين الإيرانيين، في 17 آذار (مارس) 2006، وقتلهم بين زابُل وزاهدان، عاصمة الإقليم. ورد وزير الداخلية بإعلانه القضاء على المهاجمين ومقتل رأسهم ومقدمهم عبدالملك ريغي. فصورت المنظمة مشهد إعدام أحد الجنود الإيرانيين الأسرى، في 8 نيسان (ابريل)، وإعدام جندي آخر، في 11 من الشهر في حضور عبدالملك ريغي نفسه. وعلى حين عزا بعض المعلّقين الأزمات القومية والمذهبية المتواترة والمتنقلة في الأقاليم الإيرانية المتفرقة الى سياسة أميركية متماسكة تسعى حثيثاً في صب الزيت على جذوة الخلافات القومية والمذهبية الإيرانية(34)، وإشغال النظام الذي استأنف أعمال تخصيب اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزي في 2005، لاحظ مراقبون ودارسون آخرون قسوة القمع الإيراني المركزي الاحتجاجات المحلية والأهلية، وأعمال التهريب وتجارة المخدرات في زاهدان وضواحيها، ووصفوا "الموت الذي يلابس السكان في حياتهم العادية اليومية ويُطبق عليهم، وأعمال الشنق الأسبوعية في الساحة العامة"، وخلو طرق المدن وشوارعها من القطط حين هبوط الظلام"(35). ونبه هؤلاء الى التباس علاقة المقاتلين البلوش بالقوات الأميركية في مسارح الحروب والمنازعات الإقليمية المتكاثرة والمتعاظمة مطلعَ العقد الأول من القرن الواحد والعشرين: فبعض مقاتلي "جند الله" سافروا الى العراق غداة سقوط صدام حسين وانخرطوا في مقاتلة القوات الأميركية إلى جنب الجماعات السنية المحلية والوافدة في رعاية "القاعدة". فهل يخلص من الواقعة هذه الى القول ان "جند الله" هم حلفاء طالبان بأفغانستان وربما حلفاء "القاعدة"؟ المراقبون أنفسهم يشككون في الأمر. وهم لا يَغفلون عن ان "جند الله" البلوش، على خلاف حركات قومية متطرفة من أبناء قومهم في العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، يقاتلون في إطار إيراني اتحادي، ولا يريدون الخروج من الإطار أو النطاق هذا ولا يسعون في الانفصال ولا في الاندماج في شطرهم ونظيرهم القومي على الجهة الأخرى الباكستانية من حدود إيران الوطنية والدولية. فاسم المنظمة هو حركة المقاومة الشعبية بإيران، وينص برنامجها على رفض التمييز، ونشدان مواطنة تامة، والمساواة بين البلوش السنة وبين الشيعة الإيرانيين خارج العلاقة "الاستعمارية" التي تسود الجنوب الشرقي بإيران(36).



القسم الرابع

الترتيبان المذهبي والقومي

تعقب الجزء الثالث من المقالة أطوار أو أحوال الجماعات القومية الإيرانية، والسنية على مقادير متفاوتة، في وقت انعطافها الحركي وانقلابها من معارضة مسالِمة بعض الشيء الى المصادَمة المسلحة والمنظمة في بعض الأحيان. وتبدو الأعوام الثلاثة التي كان أولها 2003، سنة غزو التحالف الأميركي الغربي العراق، واتصلت الى 2006، ذروةَ الاقتتال "السني- الشيعي" في العراق قبل انحسارها في العام التالي، والمَعْلمَ على الانعطاف والانقلاب اللذين تقدم وصفهما المجمَل. وتناول الجزء الحركات أو التيارات الأحوازية العربية والأذرية والكردية والبلوشية بحسب مكانة العامل المذهبي وأثره في بلورة الحركة القومية وتوقيت انعطافها. فبينما تكاد الحركة الأذرية تقتصر على نازع قومي ومحلي خال من نعرة مذهبية، وتراوده نزعات وميول تركية وحدوية عريضة أو أذرية ضيقة، تشكو التيارات الأحوازية العربية تمييزاً قومياً جارحاً، على رغم تشيّع معظم القوم أو "الشعب" العربي الأحوازي، شأن القوم الأذري. والفرق القوي وربما الحاد بين القومين مصدره القريب وربما المباشر امتحان الهجوم العراقي، العربي (العروبي؟) والسني، الرابطة الوطنية الإيرانية في الأحوازيين، في حرب 1980- 1988. ولم تمتحن حادثة أو واقعة من هذا القبيل العروة الوطنية الإيرانية في الأذريين. فالجوار العراقي، العربي والسني (المحلي والخليجي)، يضطلع بدور يفوق الدور الأذري، ما اقتصر هذا على الدولة الصغيرة ولم يلابس الدور التركي (أنقرة)، وزناً ورجحاناً. وثمة فرق ثالث، قريب وثابت كذلك، ناجم عن العدد: فالأحوازيون العرب يبلغ عددهم واحداً من ثمانية من عدد الأذريين (مليونان و16 مليوناً). ويقيد العدد، الى عوامل أخرى، مفاعيل حركتهم، ويقصر مطاليبها تالياً على أفقٍ في متناولها. وتخلو الحركة الأذرية الذاتية من شكوى مذهبية. بينما تعلو الشكوى المذهبية وتتصدر الاحتجاج الأحوازي العربي، وتجمع التيارات الأحوازية التظلم القومي الى التظلم المذهبي. وهي حريصة على ترجيح كفة التظلم القومي، وهو عمدة وحدتها الداخلية.

ويشترك القومان الكردي والبلوشي في المذهب السني وغلبته النسبية على القوم الكردي والتامة على البلوش. ويتقاسم النازع المذهبي والنازع القومي الغلبة على الحركتين "القوميتين". ويبدو النازع المذهبي أغلب على الحركة البلوشية منه على الحركة الكردية، على حين، يبدو النازع القومي أغلب على الحركة الكردية، وهو ضمان تماسكها، وملاذ اتحادها. ومرد الترتيبين المختلفين الى تاريخ القومين وحركتيهما القوميتين. فالكرد بإيران وبالبلدان الثلاثة الأخرى التي تجتمع فيها أراضي كردستان الإقليمية، خاضوا طوال قرن مديد ودامٍ من الزمن حروباً وانتفاضات "استقلالية" و "انفصالية" لا تحصى. ولَحَمت هذه الحركات على مقادير متباينة ولكنها فعلية وحقيقية بين أجزاء كرد كردستان وشعبها، على معنى عرقي يتقدم ربما المعنى السياسي والتاريخي. ومثل هذه اللحمة لا تتوافر للبلوش على جهتي الحدود الإيرانية- الباكستانية، والحدود الإيرانية- الأفغانية. وفي كلتا الحالين، تغلب البنية العشائرية القبلية والمحلية على القومين، وتحول بينهما وبين تماسكهما السياسي. فكلاهما لم ينضو في دولة، على معنى الأمارة أو السلطنة، منذ قرون بعيدة. وانقسامهما مناطق ورعايا في دول مركزية ووطنية متفرقة يؤلب عليهما هذه الدول، ويدعوها إما الى إعمالهما في نزاعاتها، والكرد مثال يكاد يكون مدرسياً على الإعمال المتقلب هذا، وإما الى التحالف على الأقلية القومية والمذهبية "المتمردة" (و "اتفاق الجزائر" بين طهران البهلوية وبغداد الصدّامية، في 1975، أقسى تمثيل على المنحى هذا). وافتقار القوم الواحد الى دولة مركزية وطنية راعية يتأتى عنه نهجان أو حالان أحلاهما مر: فإذا ادعت رعايته دولة "شقيقة"، شأن دعوى عراق البعث وصدام حسين في عربستان/ الأحواز، نجمت عن الدعوى حرب إقليمية عاصفة (أو أدت الحرب الإقليمية الى بعث الدعوى)، وأضعفت الحرب الحركة القومية المحلية وألحقتها ببرنامج الحرب وقواها، وعرضتها للسحق أو القهر التام- وإذا عدم القوم رعاية مثل هذه الدولة لم ينتفع بالأمر كثيراً، وأثقل على "إخوته" في الدولة (أو الدول) الوطنية الجارة، على ما هي حال "الكردستاني" التركي أو الإيراني مع إقليم كردستان العراقي.

ولعل المنازعات والأضداد التي تتعاور الحركات القومية والمذهبية بإيران "الجمهورية" و "الإسلامية" الإمامية هي ما دعاها الى الإجماع على طلب الحكم الذاتي في إطار اتحادي أو ائتلافي فيديرالي، في مؤتمر لندن (2005)، وعلى منابر كثيرة أخرى مر الإلماح إلى بعضها في السياق المتقدم. وينبه شَبَه الإجماع المعلن، في أعقاب مناقشات داخلية عريضة بعضها معروف ومعظمها مضمر، إلى كثرة عوامل انعطاف 2003- 2006 (وسنة 2005 قطب رحاها). وولادته من روافد وأسباب الحرب الأميركية والغربية على بغداد في شتاء 2003، وقبلها على امارة طالبان بأفغانستان في خريف 2001، رافد أو سبب قوي منها وليست كلها، على خلاف ما يريد جهاز "الإرشاد الإسلامي" بطهران الإيحاء، ويماشيه صحافيون وكتّاب غربيون، أوروبيون وأميركيون، يزاولون "صحافة القطيعة" أو "إعلام القطيعة" (على مثال "مرافعة القطيعة" في الدعاوى القضائية). وحمل الحركات القومية، والدينية على مقادير متفاوتة، بإيران، على صنيعة أميركية هو من "صحافة القطيعة" وإعلامها، على نحو ما هو ذريعة يتوسلها الجهاز البوليسي والعلمائي أو الحبري (علي شريعتي) الحاكم بطهران الى تسويغ قمعه الحركات الأهلية والمحلية وسحقها. ويسوغ السحق حين تنتفي مشروعية هذه الحركات فوق ما يسوغ إذا تمتعت بالمشروعية. وتنتفي هذه انتفاءً تاماً حين تنسب الحركات نسبة مباشرة الى دولة أجنبية، قريبة أو بعيدة، فكيف إذا هي تصدرت في صورة "شرّابة خرج" الدولة الأجنبية والعدوة بامتياز، اي الولايات المتحدة الأميركية.

منعطف خاتمي – أحمدي نجاد

ويلاحظ ان المنازعة في صفوف الأقوام والحركات القومية والدينية على الحلين، الاستقلالي الانفصالي أو الائتلافي الذاتي، وغلبة الميل الى الثاني، تبلورت في ولايتي محمد خاتمي الرئاسيتين (1997- 2005). واتفق تقديم الحل الائتلافي الذاتي أو الفيديرالي على "تقرير المصير" مع نهاية ولاية خاتمي الثانية، وظهور أعراض ردة محافظة قوية آذنت بها انتخابات البلدية في 2003(37)، ومهدت الى انكفاء الإصلاحيين في انتخابات 2004 النيابية، وعزلتهم الى 2009، سنة الانتخابات الرئاسية وتجديد ولاية محمود أحمدي نجاد عنوة. ففي انتخابات أيار (مايو) 2005 الرئاسية انتشر الاقتراع المتحفظ عن المرشح المحافظ (الأوفر حظاً) في سيستان - بلوشستان كلها، ومال الى التحفظ الشديد في ضواحي زهدان وبحيرة هلمند، على مقربة من باكستان بين زاهدان ونوخوندي بباكستان، وعلى طول ساحل خليج عُمان، بين غواندار الباكستانية شرقاً ومضيق هرمز غرباً (وعلى الجهة الغربية من الشريط الساحلي محافظة هرمزغان وعاصمتها بندر عباس). ويغلب التحفظ على ناخبي كرمان، ويتصل الى شطرها الشمالي الغربي، قبالة يزد، وإلى شطرها الجنوبي الغربي، ويمتد الى الجزء السني من فارس وعاصمتها تبريز، على طول ساحل بوشهر (بو شير) على الضفة الشرقية من الخليج. ويجتمع التحفظ الشديد شمالَ الأحواز الى ديزفول، وفي زاوية لورستان مع خوزستان جنوباً وأصفهان شرقاً. ويظهر بمحاذاة الحدود الإيرانية- العراقية من كردستان وأذربيجان الغربية، بين كرمانشاه وأورومية. وتجمع هذه البلاد القوم الكردي الى المذهب السنّي، شأن نظيرها في الجنوب الشرقي، بمحاذاة باكستان وعلى ساحل خليج عمان و "البحر" الداخلي (خليج الضفتين الإيرانية والعربية).

ويتقاسم التحفظ والتحفظ الشديد ناخبي البلاد الشمالية، على ضفة قزوين الشمالية الشرقية، بين جرجان ومازنداران، على حدود تركمانستان، وهي موطن أهل سنة، ثم الى شرق مشهد بخراسان، قبالة هراة الأفغانية وعند ملتقى حدود الدول الثلاث: إيران وأفغانستان وتركمانستان. وكانت المناطق التي تحفظت عن انتخاب الرئيس الفائز الجديد، محمود أحمدي نجاد في 2005، أو تحفظت تحفظاً شديداً، وخالفت بذلك نازع المقترعين الشيعة ووجهة اقتراعهم، أيدت في دورتي انتخابات 1997 و2001 المرشح محمد خاتمي، وماشت وجهة اقتراع المقترعين الشيعة في الدورتين. فلما آذن التيار الإصلاحي بالانكفاء، وظهرت أعراض الضعف عليه، خرج مقترعو النواحي السنية (والقومية) عن التجانس الانتخابي والسياسي الإيراني، وانتحوا على حدة من "الإجماع" الشيعي- الفارسي، ومن وحدة الاقتراع في النواحي الأذرية (والتركية اللسان) والنواحي العربية والكردية، الشيعية. وبرز الفارق المذهبي، الشيعي/ السني، عاملاً انتخابياً وسياسياً يضاهي أثره أو فعله الفارق القومي، الفارسي/ العربي والفارسي/ البلوشي...(38). وذهب آخرون، في الاقتراع نفسه، الى رأي يختلف بعض الشيء: "اشتركت الأقليات الإثنية (القومية- الكاتب) والجماعات السنية في المعركة الرئاسية، وقسمت أصواتها على التيارات السياسية الوطنية المتفرقة على نحو يشبه ما حصل أو يحصل بطهران، وإن كان طلب اللامركزية في هذه الحال واضحاً ولا يزال القمع والعنف السياسيان ظاهرين..."(39).

وعلى هذا، فانعطاف 2003- 2006 الإيراني مزدوج: وجهه الأول جغرافي- سياسي ("جيو- بوليتيكي") وإقليمي تغلب عليه الحوادث العسكرية والديبلوماسية وما تخلفه في موازين القوى وأدوار البلدان والجماعات والأحلاف والمنازعات في الموازين هذه، ووجهه الثاني داخلي ومؤسسي يعود التأثير الراجح فيه إلى الجماعات الوطنية وروابطها، وعلاقاتها بالدولة المركزية وبعضها ببعض، وإلى منازعاتها وطرق تحكيمها فيها. وقصر الانعطاف وأسبابه على الوجه الأول، على ما تصنع السلطة الإيرانية، يغضي عمداً عن الوجه الثاني ودور المنازعات السياسية الداخلية التي أفضت الى إزاحة المحافظين الجناحَ الإصلاحي الخاتمي عن بعض مقاليد الحكم، في بلورة معارضات قومية ومذهبية سعت في صيغة دولة ائتلافية وذاتية، ومال بعضها الى العمل المسلح. وأتاحت الملابسات والفرص الجغرافية- السياسية الطارئة، وفي مقدمها الحربان الأميركيتان الغربيتان بأفغانستان والعراق، الى الشرق من إيران وإلى الغرب منها معاً، في غضون سنة ونصف السنة، أتاحت للعمل المسلح وللاحتجاجات الحاشدة والحادة متنفساً عريضاً.

وآذن انتخاب محمود أحمدي نجاد في ربيع – صيف 2005 بانعطاف سياسي قوي اخرج الدولة الايرانية، وطاقمها الحاكم، من بعض المساومة والتحفظ الاستراتيجيين الى التعويل المغامر على تعاظم القوة الايرانية ودورها الاقليمي. فإلى استئناف تخصيب اليورانيوم وجبه عقوبات مجلس الامن وقراراته، بادرت الحكومة، في اشراف المرشد وفريقه الحرسي، الى انتهاج سياسة اقليمية محمومة. فضلعت في الاضطرابات العراقية وسلحت بعض الاطراف علناً، ومضت على تقوية "حزب الله" بلبنان وساندت السياسة السورية فيه، ولم تتحفظ عن تمديد ولاية رئيس الجمهورية ولا تحفظت عن اغتيال رئيس الوزارء السني رفيق الحريري، ولم تبخل بدعم "حماس" وتزكية سياستها الهجومية في اسرائيل والانشقاقية في فلسطين، في 2006، وثنت برعاية هجوم الجماعة الشيعية المسلحة في لبنان على الدولة العبرية ثم بشنها نزاعاً أهلياً مذهبياً مضبوطاً طوال 2007 و2008، وتقربت من السنّة الترك والعرب بالنفخ في نزاع "حماس" واسرائيل والاستدراج الى حرب غزة والى "حرب" الاغاثة. وفي الاثناء، انفجرت حروب صعدة اليمنية بين الحوثيين "الشيعة" وبين الحكم "الزيدي" والقبائل المحلية واستدرجت المملكة العربية السعودية الى بعض فصولها، من غير تعليل انفجارها تعليلاً إيرانياً.

وداخل إيران، تذرعت الحكومة الجديدة بالازمات القومية والمذهبية الى سياستين متضاربتين: فدعت الأذريين والأحوازيين الشيعة والكرد الى المهادنة والانخراط في بعض الهيئات التمثيلية، وعينت بعضهم في مناصب عالية من غير ان تكون تقريرية (نائب محافظ كردستان)، من وجه، وقمعت بشدة لا هوادة فيها الحركات المعارضة، وتوسلت بالاغتيالات والسجن والتعذيب والمطاردة الى ارهاب المعارضين، من وجه آخر. وكان البلوش الضحية الاولى لهذه السياسة، يليهم الأحوازيون، ثم الكرد. وأوكلت سياسة الاغتيال والقمع والترهيب الى الحرس الثوري، على نحو ما أوكلت الى بعض شركاته المتكاثرة والمتعاظمة الدور سياسة "الإنماء" في النواحي التي يتولى الحرس أمنها وحكمها. وكشفت عملية "جندالله" في 18 تشرين الاول (أوكتوبر) 2009، وقتلها نحو 35 ضابطاً حرسياً بعضهم من القادة (الجنرال شوشتري نائب قائد قوات الحرس البري)، وتلويح علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى بأن عملية بيشين (اسم البلدة) تعرقل "تطور المحافظة" على الصعيد الاقتصادي، كشفت هذه عن تصدي الحرس الى ادارة المحافظات المضطربة من غير وسطاء محليين او إداريين مدنيين. وسبقت عملية بيشين عملية انتحارية بمسجد زاهدان في 28/5/2009. وقالت جماعة "جندالله" ان عملياتها هذه إنما هي على سبيل الانتقام لمقتل "مئات من شبان محافظة (سيستان – بلوشستان) في غارات أو تحت التعذيب أو إعداماً" (40). وأدت صفقة وعملية استخباريتان الى القبض على عبد المالك ريغي، قائد "جندالله" وقتله "خارج القضاء".

ونشطت جبهة تحرير الأحواز المسلحة، ولكن نشاطها لم يطغ على الحركة الأهلية التي تغذي "الاحتفال السنوي الدامي"، والادارة الحرسية والأمنية المحلية هي التي تضطلع بدمويته، بقيام الاحوازيين على السلطة القاهرة. وتعود فصول القمع والقهر الاخيرة الى النصف الثاني من نيسان (ابريل) 2012. وعلى هذا، لم ينجم عن جنوح الحركات القومية والسنية الايرانية الى الصيغة الاتحادية نهج مركزي مرن. وهذا قرينة من قرائن أخرى على ان المسألتين، القومية والمذهبية، بإيران رهن المسألة السياسية التي كشفت عنها انتخابات 2009 الرئاسية وفاز بها محمود احمدي نجاد في دورتها الأولى.







الحواشي

1) على ما ظن الشيخ محمد إسحق مدني، مستشار الرئيس محمد خاتمي لشؤون أهل السنة وعضو مجلس خبراء القيادة، وعضو مجلس الشورى عن بلوشستان دورتين، نقلاً عن مختارات ايرانية، العدد47، كانون الثاني (يناير) 2004. ويقر الشيخ مدني بأن التقرير الرسمي "غير مقبول"، على وجه الفقه، ويتذرع بامتناع الحكومة من القول "لنا صراحة أنها لا تسمح ببناء المسجد، لكنها تعد من دون تنفيذ".

2) د.زيد العيص: الخميني والوجه الآخر، نقلاً عن الراصد، www.alrased.net، العدد الثاني عشر، جمادى الآخر، 1425 هـ.

3) Amir Taheri: The spirit of Allah, khomeiny and the Islamic Revolution, 1985, London

أمير طاهري: روح الله خميني/ والثورة الاسلامية، لندن (باريس، دار بالان)، 1985، ص 314 – 315.

4) أمير طاهري: روح الله/ خميني والثورة الاسلامية، المصدر السابق، ص 316- 318.

5) آية الله الخميني: الحكومة الاسلامية أو ولاية الفقيه (1969)، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1979، ص 33.

6) آية الله الخميني: الحكومة الاسلامية، المرجع السابق، ص 34-35.

7) آية الله الخميني: الحكومة الاسلامية، المرجع السابق، ص 49 وص 35 وص 37، تباعاً.

8) Vali Nasr: The Shia revival/ how conflicts within Islam shape the Future, Vali Nasr, 2006.

فالي نصر: الإحياء الشيعي، 2008 (الترجمة الفرنسية، دار ديموبوليس)، ص 56-61.

9) Jean Sellier et Andre Sellier: Atlas des peoples d’Orient, La Decouverte,Paris 1999, p.31,33,35,37

جان سيلييه واندرييه سيلييه: أطلس شعوب الشرق، لا ديكوفيرت، باريس، 1999، خرائط ص 31-37.

10) نشرتها صحيفة الحياة اللندنية في 12 حزيران (يونيو) 1997، وهي جزء من رسالة وجهتها رابطة أهل السنة في إيران الى رئيس جمهورية إيران الاسلامية المنتخب محمد خاتمي. ونسبة المشايخ القومية أو البلدانية عن موقع الراصد الالكترون Alrased.net

11) تقارير منظمة العفو الدولية في إيران على موقعها الالكتروني www.amnesty.org ، وفي باب "قمع الاقليات"، تحصي التقارير الشنق العلني، والإقرار، والتعذيب، وجهل المحامين بالتحقيقات...

12) فريبا عادلخا: أحوال العالم / 1997 (بالفرنسية)، 1996، لاديكوفرت، باريس، ص 271-275.

13) قد لا يكون أمراً ثانوياً تنبيه الرسالة الرئيس الجديد محمد خاتمي الى دَيْن "السيد رفسنجاني (...) لأصوات أهل السنة" في انتخابه رئيساً لولاية ثانية، وفي انتخاب انصاره من نواب "خدام إعادة البناء". وتعزو الرسالة سكوت رفسنجاني الى غناه عن أصوات السنة "إذ ليس لديه فرصة أخرى للترشيح"، الحياة، 12/6/1997.

14) للكاتب (وضاح شرارة): الواحد نفسه/ مقالات في السياسات الاسلامية – العربية، دار الجديد، بيروت، 1993، فصل المعنى الآن/ في إكمال الدين، اتمام النعمة في إثبات الرجعة لابن بابويه (ت 381 هـ)، ص 95 – 139، وعلى الاخص ص 135.

15) الحياة، 5/1/1998.

16) في 2/3/1999، نقلاً عن موقع الراصد www.alrased.net

17) المصدر السابق، موقع الراصد الالكتروني.

18) موقع إيران إمروز الالكتروني www.iran-emroz.net مقال حسين باقرزادة في 10/9/2000، نقلاً عن www.alrased.net

19) في كتاب رابطة أهل السنة في إيران الى رئيس جمهورية إيران الاسلامية محمد خاتمي، الحياة اللندنية، 12 حزيران (يونيو) 1997.

20) عن موقع الراصد الالكتروني، في أوقات وسنوات متفرقة. وفي لقاء بصحيفة أريار، في 4/12/1999، قال أكبر غانجي، أحد قادة الطلاب (السائرين) في خط الامام ونصير خاتمي من بعد، أن الاستخبارات هدمت مسجد أهل السنة بمشهد رداً على انفجار دبرته الاستخبارات نفسها في حرم الامام الرضا، المصدر نفسه.

21) عن عباس عساكرة: القضية الأحوازية/ المقدمات – التداعيات – التطلعات، دار الحكمة، لندن، 2006، ص 322 – 345

22) نقلاً عن David Rigoulet-Roze: Le “ Polygnone” Kurde au Coeur de l’enjeu iranien- IFAS (Institut Français d’Analyse strategique) www.strato-analyse.org, 17mars 2007

دَفيد ريغوليه – روز: "المربع" الكردي في قلب قضية ايران (بالفرنسية)، 17/3/2007.

23) المصدر السابق.

24) عباس عساكرة، القضية الاحوازية... دار الحكمة، لندن، 2006، ص 220 – 222.

25) Olivier Roy: L’Islam mondialise, Le Seuil, 2002,p.194-198

أوليفييه روا: الاسلام المعولم، باريس (دار سوي)، 2002، ص 194-198

26) David Rigoulet-Roze: Les Questions soulevées par la multiplication des attentats perpétrés dans la province iranienne du Khouzistan a majorité arabe, Institut français d’analyse stratégique, 27 /1/2007

دفيد ريغوليه – روز: المسائل التي يثيرها تزايد العمليات العسكرية في ولاية خوزستان الايرانية ذات الغالبية العربية، 27/1/2007، على رابط الحاشية 22.

27) مراسلة عبد الهادي طرفي الى فضائية "العربية" بدبي، في 8/5/2011، عن www.alarabiya.net، ومراسلة موسى الشريفي في 1/5/2012.

28) Debka-net- weekly : the Khuzestan Front’s number2 leader Said Taher Naamahad paid a secret visit to the White House, May 6 2005.

عن موقع ديبكا – نت – ويكلي www.debka.com : الرجل الثاني في جبهة خوزستان القيادي سعيد طاهر نعمة الاحد يزور سراً البيت الابيض،6 أيار (مايو) 2005.

29) David Rigoulet-Roze : Le Réveil nationaliste des Azéris D’Iran et ses conséquences virtuelles sur la stabilité du pays, IFAS, www.strato-analyse.org , 15/3/2007

دفيد ريغوليه –روز: يقظة اذريي إيران القومية وآثارها المحتملة في استقرار البلد، 15/3/2007، على الموقع المذكور في الحاشية نفسها.

30) Ihsan Kurt: Iran, Washington joue la carte Azérie contre Téhéran, Infosud, 28/7/2003.

احسان كورت: إيران، واشنطن تستخدم الورقة الأذرية في وجه طهران، موقع Infosud.org

31) Chris Kutchera: Kurdistan d’Iran: Le réveil des Kurdes, Le Nouvel Observateur, numéro 2085, 21-27 Octobre 2004.

كريس كوتشيرا: كردستان إيران: يقظة الكرد، "لونوفيل أوبسرفاتور"، عدد 2085، 21-27 تشرين الاول (اوكتوبر) 2004.

32) محمد العواودة: حركة جندالله في إيران، من أهل السنة في إيران، كتاب المسبار السادس والاربعون، تشرين الاول 2010، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي (عن ميدل إيست أونلاين).

33) David Rigoulet-Roze : Les Interrogations concernant l’agitation accrue dans la province iranienne du Sistan – Balouchistan a majorité sunnite, 20/6/2006, www.strato-analyse.org

دَفيد ريغوليه – روز: التساؤلات المتعلقة بالاضطراب المتعاظم في ولاية سيستان – بلوشستان الايرانية ذات الغالبية السنية، 20/6/2006، على رابط الحاشية 22.

34) Seymour Hersh: The Iran Plans: would President Bush go to war to stop Tehran from getting the bomb? The New Yorker, 17/4/2006.

سيْمور هيرش: الخطط الايرانية: هل يذهب الرئيس بوش الى الحرب ليمنع ايران من الحصول على القنبلة؟ عن ذا نيويوركر، 17/4/2006.

وكانت رسالة صحافية واخبارية اسرائيلية ضيقة الانتشار هي ديبكا – نت – ويكلي كتبت، في عدد 26 أيلول (سبتمبر) 2002، أن وحدات من وكالة الاستخبارات الاميركية المركزية (سي آي إي) دخلت إيران من زابُل وباشرت عملياتها في سيستان – بلوشستان، عن دفيد – ريغوليه روز: التساؤلات المتعلقة بالاضطراب المتعاظم في ولاية سيستان – بلوشستان... الحاشية 33.

35) Stephane Dudoignon (Delphine Minoui): Iran: Un p’tit tour chez les Baloutches, Le Figaro, 20/10/2009.

سيتفان دودوانيون (مقابلة مع ديلفين مينوي): جولة صغيرة عند البلوش، صحيفة لوفيغارو الفرنسية، 20/10/2009.

36) ستيفان دودوانيون: جولة صغيرة عند البلوش، المصدر السابق.

37) في انتخابات 28 شباط (فبراير) 2003، هبطت نسبة مشاركة الناخبين من 65 في المئة (1999) الى 49،2 في المئة. وأدى امتناع الناخبين في المدن الكبيرة الى خسارة الاصلاحيين 28 عاصمة ولاية. وما أرهصت به اننتخابات 2003 حسمته انتخابات شباط 2004 الى مجلس الشورى: ففاز في الدورة الاولى 156 نائباً محافظاً ضمنوا الغالبية التي رفعتها الدورة الثانية في أيار (مايو)، الى 190 نائباً. وتضافر على خسارة الاصلاحيين "الخاتميين" عاملان: ارتفاع نسبة الممتنعين الى 49،43 في المئة، وإبطال مجلس الخبراء 2500 ترشح الى الانتخابات معظمهم من الاصلاحيين الاقوياء.

38) وزارة الداخلية الايرانية، طهران، www.moi.ir

عن Francois Hourcade: Géopolitique de l’Iran, 2010, Armand Colin, Paris,p.67.

فرنسوا أوركاد: جغرافية ايران السياسية، 2010، باريس، ص 67،

تعليق الكاتب فرنسوا أوركاد على أرقام وزارة الداخلية الايرانية، وعلى خريطته الانتخابية.

39) F. Adelkhah: IRAN: La « surprise » Ahamadinedjad, L’Etat du monde, La Découverte, Paris, 2006, p.241.

فريبا عادلخا: إيران: "مفاجأة" أحمدي نجاد، حال العالم، 2006، باريس، ص 241.

40) للكاتب: استيلاء الحرس الثوري على الدولة في ايران يزج بها في منطق امبراطوري متصلب، الحياة، 28/10/2009.