الأحد، 6 يوليو 2014

تحرر «الدولة الإسلامية» من قطرية «العراق والشام» تحت لواء الخلافة الابراهيمية

المستقبل 6/7/2014
انشق عن الدولة الاسلامية في العراق والشام، قبل انتصاب أميرها خليفة، رجل كان ولاه أصحابه قاضياً، ودخل في جيش الاسلام في إمرة المدعو زهران علوش. فما كان من مقاتلين ينتسبون الى «الدولة» إلا ان قتلوا صاحبهم السابق. وفي الاثناء، شكل 17 فصيلاً يقاتلون في كتائب الاسد وبقايا جيشه في الغوطة الشرقية الدمشقية، كياناً مشتركاً سموه المجلس القضائي الاعلى، وكأنهم أمة من قضاة. وكان «جيش الاسلام» من الفصائل التي دخلت في المجلس القضائي. و»الجيش» أبرز فصائل كيان آخر يعرف باسم الجبهة الاسلامية. وأبلغ زهران علوش، قائد أو أمير جيش الاسلام وأبرز قادة الجبهة الاسلامية وأبرز قادة المجلس القضائي الاعلى معاً، مؤتمراً صحافياً بالضاحية الدمشقية في أواخر حزيران المنصرم أنه فاوض تنظيم «الدولة الاسلامية» على الانضمام الى المجلس القضائي، ولم يستجب الاقتراح.

والمفاوضة كانت محلية أو موضعية، وموضوعها شرق دمشق وحده. وأما ريف ادلب ودير الزور، حيث تخوض «الدولة» أقسى الاشتباكات وأسخاها بدماء مقاتليها ومقاتلي خصومها، فهما مسرح اقتتال يسهم فيه جيش الاسلام بسهمه. والحليف الجائز بالغوطة هو، على قول علوش، «عصابة قذرة» حري بـ»أهلنا في الغوطة الشرقية (...) الانشقاق عنها». وتترجح الامور بين دعوة الى الحلف، والانخراط في القتال كتفاً الى كتف، وبين الحكم في الفصيل نفسه بالموت، وإباحته للعدو، وحمل الاهل على الانفضاض عنه. ويرهن علوش جبهة دمشق الشرقية، والقتال عليها، بشرطين متلازمين: توافق الفصائل المسلحة، وشرح مخاطر تنظيم «الدولة». ولما تم الامران انفجر القتال.

ووضوح الحال، جزئياً، لم يحل بين فصائل المجلس القضائي، المزمعة التوحيد في فصيل عسكري واحد، وبين إمهال «الدولة» بعض الوقت قبل حسم استبعادها أو إقصائها عن الكيان الجديد وإهدار دم مقاتليها، على التقليل. وفي المهلة، على «الدولة» التصدي لمسائل جسيمة: عليها الرجوع في أحكام تكفيرها فصائل الغوطة المنضوية في الجبهة الاسلامية أولاً ثم في المجلس القضائي من بعد- على غموض الانقلاب من التوحيد الاول الى التوحيد الثاني- . وعليها حل نفسها. ويمهد الاجراء الجسيم و»الكبير»، نسبة الى الكبائر، الى إقرار «الدولة» بمجلس القضاء هوية ومرجعاً، والدخول في طاعته «والامتثال لأحكامه».

وبينما كان زهران علوش يكلم الصحافيين المؤتمرين، على مرمى أقواس قليلة من قلب العاصمة الحكومي، وقصور الحكم والسلطان فيها، اجتمع المجلس القضائي، وكتب بياناً يراه العامي، من غير العلماء والفقهاء والقضاة، غريباً. ويجهر البيان رفض «القضاة» الاعتراف «بدولة العراق والشام كدولة». ومصدر الغرابة أن «الدولة» العتيدة تنسب نفسها أولاً وأخيراً الى الاسلام. فهي «الدولة الاسلامية». ولا شك في أنها تقدم نسبتها الاسلامية على صحة صفتها أو استوائها «دولة»، شأن دول الكفر والشرك والقانون الدولي، المنكِرة أحكام الشريعة وأوامرها ونواهيها وحدودها والصادرة عن رأي البشر ونظرهم الكليل والمتخبط... وانتهت الى تلقيب نفسها بلقب الخلافة الذي يليق وحده بها، وبمكانتها وعدد قتلاها. وينحي المجلس القضائي، المزعوم أعلى فوق هذا، صفة الاسلام عن «الدولة»، ويسأل عن كيان الدولة المجرد والمشترك، وكأن لهذا الكيان المزعوم حداً أو تعريفاً في نفسه، خارج «الاسلامية». وينكر المجلس القضائي على «الدولة الاسلامية» استيفاءها «مقومات الدولة الشرعية والحسية». ولا يفصِّل البيان المقومات. ويحشر الشرعية والحسية في باب واحد أو مشترك. والارجح أنه يعول على الحسي قبل الشرعي، ويقدم الحدس، وهو مرآة المتعارَف في البلدان والمجتمعات كلها من غير تخصيص ديني، على العلم الشرعي. وهذا، أي العلم الشرعي، وحده يأخذ «المسلمون» به، ويفهم بضعهم عن بعض من طريقه، ولا يفهمون عن غيرهم على نحو ما لا يفهمون عن أهل العجمة وغير الانسيين. ولعل هذا معنى سؤال ابي محمد المقدسي (عصام البرقاوي): ما هو رأي الخلافة الجديدة في خلافة لقوقاز؟ وفي خلافة الملا عمر بقندهار؟ أتكون الخلافة الجديدة خلافة خلافات؟

وليس القتال الدائر، والدماء الغزيرة التي سفكت وتسفك كل يوم، والتنديد بـ»العصابة القذرة» وتحريض الاهل عليها، والحَجْر على شراكتها في الاعداد للقتال و»الجهاد» مانعاً أو مانعة من الطلب الى أهل «الدولة» المبادرة الى «اصدار بيان واضح من فصيل دولة العراق والشام بحل هذه الدولة». فالانتقال من الاقتتال وسفك الدم والتكفير الى الاندماج في جماعة واحدة ومتعاهدة على الحياة والموت واعتقاد إيمان واحد، على جسر بيان أو رأي أو فتوى، فعل يسير. ومثله يسراً إعلان الدولة، او الخلافة الابراهيمية، أو حلها، وإبطالها. وآلاف القتلى، ونصفهم «شهداء» على ما يفترض، في اقتتال «الدولة» وجبهة النصرة، والبيان القضائي يحصيها في الفصائل والمنظمات التي يطلب إيضاح الرأي في إسلامها أو كفرها، آلاف القتلى هؤلاء «قادة وأفراداً» يُشترون، وتزول صفة القتل والاستباحة والظلم عنهم وعن قتلهم، لقاء «بيان واضح في حكم (فصائلهم)» وإسلام هذه الفصائل.

وهذه المنظمات الاسلامية و»المجاهدة»، والمقاتلة والمتقاتلة، المتحالفة بعد حرابة واحتراب أو بعدهما، يدعو بعضها بعضاً بعد سنوات على قيامها و»بلوغ الدماء الركب»، على قول «سيرة عنترة» أو «سيرة الزير بو ليلى المهلهل»، الى «التحاكم لشريعة الله في قضية سفك دم مسلم». أو لم يكن «التحاكم للشريعة» في الدماء والاموال والفروج، وحلالها وحرامها، الركن الاول ومسوغ الخروج الى قتال الحاكم الباغي؟ فكيف يتداعى «مسلمون» الى التحاكم بعد خراب «البصرة» ونينوى وديالى وصلاح الدين وبابل والرقة والجزيرة وخانقين، والتحاكم أصل اجتماعهم وعروتهم؟ وهل يعول الفصيل على انقلاب مخاطبه من الكفر الى الاسلام حال مناشدته الانقلاب أو تذكيره بالتحكيم؟ فلماذا لم يناشَد أو يذكر من قبل؟ وهل يترتب حكم أو قضاء على التأخير أو الارجاء؟ ومن يتولى مثل هذا الحكم؟

وترد «الدولة» الجواب على بيان مجلس القضاء ببيان يجاريه تبييناً ووضوحاً ويقيناً وإقناعاً. فتقول في طلب «حل الدولة»، أو إسقاط اللفظة والاستعاضة عنها باسم فصيل «مجاهد»، بأنه «متعذر». ويمضي الجواب على إيضاحه: «... بل دونه خرط القتال» أو «القتاد»، على ما جاء في عيون الكلم وسهت عنه وكالة الاخبار. ومسألة الدولة، وهي قد تبدو في عين العامي خطيرة وحاسمة، يرد البيان عليها رداً حاسماً: «فليبينوا لنا ما هي مقومات الدولة في نظرهم». وكأن لم تكن صحيفة المدينة، ولا رسائل في التقاضي ووصايا، ولا عهود فتوح وأخرجة وعشور وأمان وجزية وتخريب أسوار، ولا أحكام عمرية مزدوجة وحواشٍ عليها، ولا أحكام سلطانية في (شروط) الامام الفاضل ونسبه وبيعته وأهل الحل والعقد والندب الى قتال العدو والذب عن البيضة والخطبة على المنبر والتولية والعزل...

وطلب البيان عن مقومات الدولة الدولة يختم بالقول: « في نظرهم». وهذه أمور يعلم قضاة وفقهاء الهيئة الشرعية في «الدولة» أن لا محل فيها لنظر البشر والخلق. وهم أنفسهم يثوبون الى رشدهم الشرعي، ويرجعون اليه حين يتناولون مسألة التكفير ويجيبون عن سؤال المجلس القضائي، فيكتبون:»ومسألة التكفير منوطة بنصوص الشرع لا تخضع للعقول والاهواء في عقيدة أهل السنة والجماعة...» . وهم، أهل «الدولة» وقضاتها، حين يكفرون من يكفرون يخرجون من عقولهم وأهوائهم، ويعرون منها، ويعودون كما ولدتهم أمهاتهم فطرةً خالصة، وجبلة جبلتها يد (مجازاً) الخالق. فلا ينطقون عن عقل، أو رأي او قياس، ولا عن هوى، بل عن نص شرعي قاطع ومحكم. فإذا كفَّر أهل «الدولة» قضى النص الصريح بتصويب تكفيرهم. وإذا أنكر خصومهم التكفير قضى النص الصريح بتكذيب الانكار الصادر عن الخصوم.

وفي مسألة قريبة من مسألة الدولة وأميرها أو رئيسها، كتب عبود الزمر، أحد مقدمي الجماعة الاسلامية بمصر، أن لا ولاية لمحمد مرسي، الاخواني والرئيس المصري الاسبق. واحتج لرأيه بحكم «شرعي» يوجب انتداب من يقوم مقام الامير المكفوف اليد والممنوع من «مزاولة سلطاته» واختيار رئيس جديد. فأهل البلد إما أن يختاروا رئيساً جديداً، وإما أن يتركوا، «الامر فوضى» (والامر والناس فوضى حين يكونون و»لا إمام لهم»، على قول احد أعلام المصنفين في الاحكام السلطانية). فرد الاخوانيون على «الشيخ» على ما يسمون أهل الرأي في الفرق الاخرى، وكان هذا لقب أسامة بن لادن ولقب الظواهري على لسان «الشيخ» عصام العريان في مسامراته الفقهية على شاشة «الجزيرة» في عهد حسني مبارك- بالقول: إنه «يعبر عن وجهة نظره الشخصية»، عن عقله وهواه، فلا يعتد بما يصدر أو ينطق عن عقل أو هوى.

وغداة مراسلات القضاة الفقهاء وأهل الفتوى في مجلس القضاة و»الدولة الاسلامية»، في 27 حزيران، أعدمت «الدولة» أحد مقاتليها بساحة مرطو في مدينة الباب، شرق حلب. وعلقت جثة المقاتل بأحد أبواب أو إحدى بوابات المدينة. ويقضي الحكم الشرعي بتعليقها 3 أيام عبرة تعم ولا تخص. واستحق المقاتل القتل، والتعليق على البوابة، جزاء توقيفه الناس على حاجز يتولى حراسته، وتهمتهم بـ... الكفر، والسطو على اموالهم عقاباً لهم على كفرهم الصريح. وغداة تعليق المجاهد السارق بساحة مرطو صلبت الدولة الخلافة بدير حافر 8 من الجيش الحر. وضوي «الدولة» سراقين ومكفرين من هذا الصنف لا يدعو بعض خطبائها، في مدينة الباب، الى التحفظ عن الافتاء بـ»بطلان صيام من يكره الدولة الاسلامية». فما حال من يقول جهراً: لا دولة؟ ويطعن على جمعها شرائط الدولة ومعاييرها الشرعية والحسية؟

وهذه الشواهد غيض من فيض، أو قطر من أول الغيث (على قول مفوه عُلق على أبواب الحارات). وهي مقتطفة من أقوال وأحكام ناس يسيَّرون الجيوش، ويغزون الصحارى والسهول، ويستولون على المدن، ويمحون الحدود، ويهددون الدول، ويحاصرون مصافي النفط ويتحكمون في أسعاره وفي نمو الاقتصادات. وشأن «الممالك» العظيمة، والباقية على الدهور والابد، يقتلون ويجمعون الجثث في الخنادق طبقات، ويحصون قتلاهم على كيفهم. ويُحمل هذا على مزاولة السياسة أو الامر، وعلى البراعة المجلية فيها. وهو (تسيير الجيوش...) من صنع مقاتلين وأمراء وقضاة وولاة يناقشون مسائل الدولة ومعاييرها والتكفير والقتل والتحالف على النحو الذي مر. وهذا النحو يخلط الألفاظ بالوقائع، ويعاقب بين القتل واستحقاقه وبين القتال كتفاً على كتف، ويسأل حائراًعن البدائه ويقضي باتاً في القضايا الشائكة والمتشابهة. وينتقل بين الأضداد خفيفاً فرحاً. ويجزِّئ هنا ويجمع هناك ويعم.

وهو يصدر في أحواله المتفرقة وأضداده عن يقين بالحق والعلم والاعتقاد والصحيح لا يبارى. ويقينه هذا يقصر العوالم، والمدنيات والحضارات وأصناف العمران والتواريخ والصنائع واللغات، على عالم واحد، ويختصر قراباتها وعداواتها ومعارفها وتقاليدها في أمر أو نهي قاطعين. وتتصدر العالم الواحد أحكام الاستتابة والكفر، والولاء والبراء، والشريعة والردة، والقتل والاقتتال، والتنقب والخروج، وغيرها مثلها. وعلى شاكلة السؤال عن «مقومات الدولة»، يشكك هذا النحو في النظر والقول والعمل في حقيقة «مقومات» ما لا يحصى من المسائل والامور والوقائع، وفي جواز تناولها من طرق العقول والاهواء. فماذا بعد الاستيلاء بالقوة وتوزيع الكهرباء والماء والسطو على المصارف؟ وبعد الأمر بقراءة النقاط الـ13 في أحكام النقاب والصلاة جماعة والمحارم وفتح المحال والأسواق؟ وبعد قتل بعض الوجهاء ومن عرف عنهم موالاة «العدو«؟ وبعد تسيير السرايا في سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الصغيرة الى هذه الضاحية القريبة أو ذاك الحي؟

وربما لم يحتج الجمع الجرار من «جهاديي» ساحات القتال والحرب على اليهود والصليبيين والامبرياليات، الكبرى والصغرى، الى إعمال النظر والرأي والاجتهاد في مسائل ما قبل استيلائهم وما بعده. وكان روح الله خميني يرى ان حكومته أو ولايته تقوم ببعض الحبر والورق حال إقرار الناس بها ومبايعتهم إياها على عداء المستكبرين والشياطين. و»الجهاديون» ورثوا من الدول والمجتمعات «القومية» التي حضنت نشأتهم، ثم أعملتهم في قتال العدو «الصهيو- امريكي» أو في عدائه، ثم قتلتهم من غير اجراءات قضاء أو قانون أو ملء قسائم طبية فردية لا تصلح إدارياً لجمع الاشلاء المتطايرة تحت القصف (ورثوا) مثالاً «سياسياً» من الازدراء والضغينة في متناول ضعفاء اهل الاهواء وأقلهم حيلة.

ويوجب هذا المثال «أمةً» غفلاً وعريضة عرض ديار العرب وبلادهم، وعميقة عمقَ تاريخ الاسلام والمسلمين. وينفي المثال من «الامة» العقول والاهواء والمداولة ولا ينطق إلا عن «شرع»، ويعلقها على اسم رجل واحد من لحم ودم. وهذا الرجل هو قائد دولة، وهو عالم- شريعة، وهو محارب استراتيجية. فلا مناص من أن يأتي يوم ينتبه فيه الرجل المتأله، أو ينبهه هاتف من وراء الحجب، الى أنه مستخلف في الارض وعليها، على حرثها ونسلها ودولاراتها وصادراتها واتصالاتها، وإن لم يكن هو أو جيبه فابن خاله أو اقرباء زوجة ابنه. واستخلافه، بقي سيادة الرئيس أو رجع الى تلقيب السلف العظيم، ليس عن هوى بشر ضعفاء ولا عن عقولهم الاضعف. فـ»الأمر» أعظم مما تحتسب العقول الديموقراطية السفيهة، وقوانينهم المتعسفة التي تنكر حكمة الحدود (القطع والجلد والتعزير بالعراق والشام وأصفهان ومشهد وزاهدان)، وتسوي النساء بالرجال، وتمتنع من سفك الدماء وتعليق الجثث على الخشبات، وكأن الكافر ميتاً أو حياً، حرمة، والبشرَ سواء وواحد، والحربَ سياسة.