الأحد، 2 فبراير 2014

"عقلانية" الجماعة الحاكمة الإيرانية الخمينية في هزيمتها ومفاوضتها (2)






المستقبل - الأحد 2 شباط 2014

نشوة الانتصارات الباهظة وتصدّر الحرسيين... أوقعا الجماعة في فصامها
             
اتفق انهيار القوات المسلحة الايرانية في ميادين القتال، على جبهات العراق المتفرقة جنوباً وووسطاً وشمالاً، مع انجاز طاقم السلطة الخميني إطباقه على الدولة والمجتمع الايرانيين وسيطرته عليهما، على حسبانه، سيطرة مطلقة (عطفاً على المقالة السابقة في "نوافذ" "المستقبل"، 19/1/2014). وفي أثناء الحرب الطويلة، وهي دامت نحو تسع سنين، وسع الطاقم المتنازع، والمتفرق أجنحة وولاءات ومصالح وخططاً، صناعة آلة عسكرية صلبة، هي الحرس الثوري والباسيج، أعملها في الحرب الاهلية الداخلية المستمرة وفي الحرب الخارجية الوطنية، والحروب الفرعية الاقليمية، على حد سواء. وانقلبت الآلة العسكرية سريعاً جهازاً ضخماً وكثير الوجوه، أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وديبلوماسياً، ابتلع أجزاء راجحة من الدولة الرسمية والصورية، ولكنه لم يقتلعها ولم يحل محلها. ولعل وراء المساومة هذه، أي الجمع بين "دولتين" وتقسيم العمل عليهما وفيهما، حساباً سياسياً استراتيجياً أُدرك تدريجاً وقضى بالمحافظة على أبنية حكومية أو شبه حكومية يوكل اليها التعامل مع الخارج، وقواعد إجرائه القانونية والاقتصادية والديبلوماسية على وجه الخصوص. وتتولى، من وجه آخر، النهوض بالعلاقات بالجماعات الايرانية العريضة والمتحدرة من المجتمع السابق و"الحديث"، البهلوي والغربي والليبرالي الطاغوتي والفاسد، على رجاء قضمها وهدمها وطيها في ثنايا الدولة والمجتمع الاسلاميين والثوريين.
وسوغ الفصلَ الثاني من الحرب والقرينة عليه الحملات الهجومية التي شنتها القوات الايرانية على الجيش العراقي، في خريف 1981 بخوزستان، واستعادتها المواقع المحتلة- ، وغلبة الحرس والمتطوعين (الباسيج) على القوة الجديدة، هذه السياسة. وهي دامت فاعلة ومجزية الى 1986-1987 تقريباً. ولم تلبث أن قصرت عن حماية منجزاتها حين شن صدام حسين "حرب النفط" على المصافي ومرافئ التحميل والناقلات وخطوط الملاحة، وحمل الفريق الحاكم بطهران على الحذو على سياسته، وضرب جيران ايران واستعداء الدول المستهلكة. فطوقت هذه السياسة إيران بعزلة خانقة، فجفت مواردها، وحالت بينها وبين تجديد احتياطها من السلاح، وأعجزتها عن تلبية حاجات الايرانيين على حدها الادنى، وفاقمت النزاع والخلاف بين كتل النظام الخميني وأجنحته التي تبارت في الاعتدال والتطرف. فتأخر الدور الذي اضطلعت به قوات الباسدران والباسيج في الحرب الوطنية، وبذلت في سبيله الأنفس بغير حساب ولا إدراك. وتقدم الدور التقني والصناعي، ومعه العامل المالي والاقتصادي. وتشترط تلبية احتياجاته ما لا طاقة ذاتية لإيران الخمينية به، وما حالت سياساتها بينها وبين بلوغ مصادره الغربية والسوفياتية، واستيراده من هذه المصادر. فانقلب "السحر" الباسدراني (الحرسي) والباسيجي (التطوعي) على الساحر الحاكم ويسَّر الحملة على الساحر ومهمة التنصل منه، وتطويعه وتدجينه. فانهار في ميادين الحرب، وهرب واستأسر، وحسم النزاع موقتاً من غير ان يخسر دوره الحاسم.
ويذهب بيار رازوكس، صاحب مصدرنا المعتمد، في ختام كتابه وهو ضمنه رأيه في انتخاب حسن روحاني الى رئاسة الجمهورية، ومقدمات المفاوضة الاميركية الايرانية على اتفاق 20 تشرين الثاني 2013 بجنيف بين الدول الست وبين ايران- الى ان الانتخاب والاتفاق العتيدين والمتصلين هما جواب القيادة الايرانية الخمينية و"التقليدية"، وجناحها العلمائي، عن تعاظم الدور الحرسي وطغيانه على المساومة السياسية التي جرت عليها أجنحة الحكم الى اليوم. وانبعاث ما يشبه محوراً رفسنجانياً خامنئياً في أعقاب 4 أعوام على انتخابات حزيران 2009، وانتكاسة "ولاية الفقيه" في حلتها الباسدرانية و"الذرية" الفاقعة، يرجحان التعليل ويصدقانه بعض التصديق.
ودوام الحلاف العلني، غداة 20 كانون الثاني 2014 وإنفاذ اجراءات الرقابة على التخصيب ووسائطه ومراكزه، قرينة ربما على حرص قطب الولاية والارشاد على اخراج الحل (المرحلي) الشافي والمنتظر عن يده، هو المريض والموشك على الوداع شأن سلفه المؤسس. وشأن سلفه كذلك، لا يشك علي خامنئي، على خلاف حلقة أصفيائه وبعض مستشاريه المقربين وحلفائه المتشددين (أحمد خاتمي ومحمد تقي مصباح يزدي وصادقي وأمثالهم)، في "سير (رفسنجاني وأنصاره) في خط (المرشد)"، وربما في اقتضاء حكم إيران وبقاء الكتلة المتسلطة في سدته "سياسة جديدة" أو "مجرى جديداً" في المصطلح اللينيني الموارب والمخادع. والعودة الى بزوغ نجم الحرس الثوري وقرينه الباسيجي، قبل الافول، لا تعدم كذلك استعادة "العلم" والتمثيل.
تطهير القيادة والمورد البشري
وعلى مثال لازم الوقائع السياسية والعسكرية الخمينية من قبل ومن بعد، مهد روح الله خميني للحملات الهجومية العسكرية في الاسبوع الاول من أيلول 1981، بـ"تطهير" المواقع القيادية السابقة لتخلص القيادة الى انصاره ومواليه، ويطمئن الى سير العمل والانفاذ. فأقال في 11 حزيران 1981 أبو الحسن بني صدر، وهو كان لما يزل رئيس الجمهورية، من رئاسة أركان الحرب، وحجب ثقته فيه. وفي 20، عزل مجلس الشورى من كان "ابن (خميني) الروحي" والاثير عن الرئاسة، وأمر المرشد بتوقيفه احتياطياً. وخاف الرئيس المقال الاغتيال، فهرب سراً وتخفى قبل أن يلجأ الى فرنسا. وغداة اقصاء الرئيس الايراني والجمهوري الاول وهو كان انصرف الى إعداد الجيش النظامي المتحدر من الجسم العسكري الشاهنشاهي للحرب، وقيادته فيها، وحمايته من التشكيك وحسِب أنه هو وحده قادر على حماية البلاد، وجمع شمله الممزق حين لم تتبلور بعد قوة عسكرية وطنية تخلفه- انفجرت طائرة تقل مصطفى شمران، وزير دفاعه وحليفه القريب، وهوت وقتلت الى شمران بعض ضباط أركان الجيش النظامي. ودوى انفجار هائل، في 28 حزيران، في عقر الحزب الجمهوري الاسلامي، قتل فيه آية الله بهشتي أمين عام الحزب ورئيس مجلس (قيادة) الحرس الثوري، والشخصية الثانية في هرم الحكم والمرشح المرجح لخلافة خميني على ولاية الفقيه. وقتل، إليه، 73 شخصية بارزة أخر فيهم 14 وزيراً ووكيل وزير. ونسبت المقتلة الى مجاهدين خلق (مسعود رجوي)، قبل تحقيق لم يثبت شيئاً. ونتيجة الاغتيال الجماعي الظاهرة والمباشرة كانت ارتقاء علي أكبر رفسنجاني (46 سنة) في مراتب الهرم الخميني، وتعيين هذا منتظري نائباً عنه محل بهشتي.
وأتبع خميني الاجراءات العاجلة بتطهير جديد في صفوف طياري سلاح الجو، وهو محل شبهة مخيمة. فمعظم المهمات الحربية التي يندبون اليها تلغى في الدقيقة الاخيرة قبل الاقلاع. وتملأ خزانات الطائرات بمحروقات تكاد لا تفي بالمهمة، تفادياً لهربهم. وتُقصر الذخيرة على الانفاذ الدقيق. ويتولى مفوض سياسي ابرام المهمة وإجازتها، ويستجوب الطيار استجواباً دقيقاً. وعلى هذا، خلت سماء ايران في الاشهر الاولى من الحرب للطيارين العراقيين. وفي 30 آب، بعد شهر واحد من توليه الرئاسة محل ابو الحسن بني صدر، قتل علي رجائي في مقر الحكومة، وقتل اليه رئيس وزرائه وبعض الوزراء. وتبنى مجاهدين خلق المقتلة الجديدة، وهم كانوا يزرعون الموت والقتل بطهران وتبريز وشيران وأصفهان. فتقدم الصفوف السياسية والادراية ومراتبها التي خلت بعض أفراد الطاقم الجديد والشاب. فإلى رفنسجاني على رأس مجلس الشورى والادارة المالية وخامنئي في رئاسة الجمهورية، رفع علي لاريجاني (24 عاماً) الى نائب وزير الشؤون الاجتماعية و"خدماتها" المترامية الاطراف، ونصب مير حسين موسوي (40 عاماً) رئيس وزراء قبل التعديل الدستوري، وعين علي أكبر ولايتي (36 عاماً) وزيراً للخارجية ومحمد خاتمي (35 عاماً) وزيراً للاعلام والثقافة أي للدعاية الرسمية، ورئس مهدي كروبي (40 عاماً) على مؤسسة الشهيد الضخمة وأحد مرافق الاعالة الاخطبوطية.
واتفق انفجار طائرة عسكرية ثانية (بعد طائرة منتصف حزيران) تنقل 37 ضابطاً كبيراً عائدين من تفقد الجبهة، في 29 ايلول 1981، وموجة التعيينات السياسية هذه. فأتبعتها القيادة الجديدة بتعيينات عسكرية، وحل محل رئيس الاركان ولي الله فلاحي ووزير الدفاع نمجو وقائد سلاح الطيران فكوري ضباط من بطانة رفسنجاني وخامنئي هم قاسم علي ظاهر نجاد وعلي شيرازي وحسن معين بور. وعين محسن رضائي (27 عاماً) على رأس قوات حرس الثورة التي تسابق الجيش النظامي على المكانة والدور. وأوكلت مساعدته الى علي شمخاني (26 عاماً)، المهندس الزراعي القريب من جمهور الفلاحين، "مادة" أفواج الحرس. وتوج الجهاز العلمائي العمارة القيادية والادارية بانتداب مفوض سياسي وإيديولوجي يشير على المراتب القيادية المتفرقة وأركانها، وينصحها ويفتي في المسائل المتشابهة وينفخ في عزيمة المجاهدين الفتيان ويحبب الموت، أي "لقاء الرفيق الاعلى" و"الائمة" في سبيل تحرير أرض ايران والقضاء على "الظالم" "اليزيدي" صدام حسين، الى قلوبهم. والاجراء التنظيمي والبيروقراطي مهد، على ما ظهر سريعاً، الى مذهب قتالي ظرفي صبغته الثورة "الاسلامية" الخمينية بصبغة حاجاتها ومواردها، ويقضي (المذهب القتالي) بإعمال مورد النوع البشري، على قول روبير آنتيلم الفرنسي، في القتال بغير حساب ولا بخل، وإدخار الموارد الاخرى الثمينة مثل العتاد والذخيرة. والى هذا الوقت تعود لغة تمجيد الموت الانتحاري الخمينية.
موجات التحرير
وعلى هذه الأهبة شنت القيادة الايرانية في الفاتح من ايلول 1981 هجومين معاً. فاجتازت ألوية من الحرس، تساندها الفرقة المؤللة 84، نهر كَرْكِه القريب من المدائن. وأغارت على طلائع العراقيين المتخندقين من غير السعي في دحرهم. فهذا الشق من العملية لم يكن الغرض منه إلا التمويه على جزئها الحاسم، والهجوم الكبير. وطيلة 3 أسابيع، تولى 30 ألفاً من المشاة قضم المواقع العراقية، وقسر العدو على التراجع نحو 10 كلم. فوسع القوة إنشاء راس جسر الى الغرب من نهر كركه، وتوسيع الثغرة في شوسَنْجِرد. وعجزت الدبابات العراقية المتمترسة وراء تلال رملية في انتظار هجوم مدرع، والمفتقرة الى مساندة المشاة، عن صد الهجمات، واضطرت الى الانكفاء. وفي هذا الوقت، انتشرت الفرقة المؤللة 21 بمحاذاة الاهوار ومستنقعاتها القريبة من شادغان وعبادان. وتسللت فرقة من الحرس الى رأس الجسر الذي تحرسه الفرقة العراقية الخامسة من طريق الاهوار- واختبرت القيادة الايرانية في خطتها هذه قوات مختلطة من الجيش النظامي والحرس الثوري، للمرة الاولى.
وفي ليلة 26 ايلول الى 27 منه فاجأ الايرانيون، وحملتهم "ثامن الائمة"، قيادة القوات العراقية التي كانت تحاصر عبادان، وتحتل ضفة نهر قارون الشرقية، وتتولى القيادة من دارخوفين. وأتبع المهاجمون قصف قصر دارخوفين بتسلل وحدات كومندوس مسلحة بقذائف تاو المضادة للدروع، داخل خطوط العدو، على وقع التكبير المدوي وصيحات التهليل. ونصبوا كمائن مدمرة للدبابات العراقية المتعثرة والمرتبكة. وتقدم الحرسيون في حماية نيران مدفعية الميدان، ومدافع دبابات القوة النظامية. وقامت هذه بقصف مواقع النيران العراقية. وانطلق فوجان من الباسدران من عبادان، وانخرطا في المعركة الدائرة. وبرهنت القيادة الايرانية على تمثلها درساً حاسماً من اخفاقاتها السابقة، على ما يلاحظ بيار رازوكس. فلم ترخ العنان لسلاح دروعها واختياله مكشوفاً في مقدمة قوات المشاة، بل أدرجته عنصراً من عناصر عملية مركبة يمهد العنصر منها الطريق الى العنصر الآخر، على ما مر وصفه. وزاد اشتباه الامر على القوات العراقية تضعضعها: فالفرقة المدرعة العراقية 88 مجهزة بدبابات ت -55 مثلها مثل القوة المدرعة الايرانية. فهرب الجنود العراقيون على غير هدى الى دارخوفين، وقصدوا الجسر العائم على نهر قارون هائمين على وجوههم تحت نار الطيران الحربي الايراني وقصفه. وخلفوا وراءهم على ضفة النهر الشرقية نحو خمسين دبابة ت-55 و200 درع وكل مدفعيتهم.
وفتحت استعادة ضفة كارون الشرقية طريق الاهواز عبادان. فما كان من الـ15 ألف مقاتل ايراني المحاصرين في عبادان منذ سنة إلا الخروج من المدينة وكسر الطوق حولها، ورد القوة العراقية الى الضفة الاخرى من النهر. فتراجع العراقيون الى خورَمشهر وتحصنوا فيها. وآذنت العملية الايرانية "ثامن الائمة" المزدوجة بالفصل الثاني من الحرب، اي مبادرة الايرانيين الى تحرير ارضهم ومدنهم من القوات العراقية وإجلائها عن مواقعها. وخسر الايرانيون 2000 مقاتل في فك الطوق عن عبادان وحده، الى 6 آلاف جريح. وحاول صدام حسين تدارك هزيمته الاولى. فعهد الى الفرقتين المدرعتين 3 و9 بالدفاع عن ضفة قارون الغربية، ونقل قوات من قطاع يستان بكردستان الى نتوء سوسنجرد، ونشر فرقة المشاة 14 خط دفاع ثانياً على حدود العراق مستبقاً اختراق الايرانيين خط الدفاع الاول على الضفة الغربية.
وأعملت الاركان الايرانية الفرقة المدرعة 16، وهي نقلتها من ديزفول الى سنندج بكردستان، في قتال قوات عبد الرحمن قاسملو الكردية التي تطوق الفرقة 64. وساندت الفرقة المدرعة فرقة الحرس ذو الفقار. وسيطرت القوات المختلطة على المدينة في أعقاب قتال قاسٍ دام 3 أسابيع. وطيلة 6 أسابيع من القتال استولت على سقز وبوكان وبيرنشهر ونقده وأورومية. وصحب الاستيلاء قمع فظيع تولى شطراً دامياً منه أحمد كاظمي، وهو نقيب شاب (23 سنة) في الجيش النظامي انضم الى الباسدران، وقاد وحدة غير نظامية من 50 مقاتلاً أوكل اليها إرهاب الكرد وراء خطوط العدو. وسبق ان قاتل أحمد كاظمي في صفوف "أمل" بلبنان، يوم كان مصطفى شمران مستشار موسى الصدر العسكري. ورفع النقيب الشاب الى رتبة جنرال، وقاد فرقة أشرف الى نهاية الحرب، وعينه رفسنجاني مستشاراً، ثم قائداً على قوات الباسدران البرية. وانحاز الى المرشح محمود أحمدي نجاد في 2005. وفي 9 كانون الثاني في 2006 انفجرت طائرة نقل كان يستقلها، وقتل في الانفجار على مثال سابقين كثر تشارك وإياهم بروزاً وتألقاً لا يطيقهما الولي العتيد والموقت. وفي ختام الفصل من الحرب الكردية لم يبق في أيدي بيشمركة قاسملو الـ25 ألفاً، بعد فتح طريق سنندج- أورومية، إلا بلدات أوشناوية وساردشت وغاويله ونصود، الى مدينة بانه الاستراتيجية.
فوسع الجنرال نجاد شن عملية "طريق القدس" في قطاع سوسنجرد جنوباً، في 29 تشرين الثاني 1981. واستكمال تحرير خوزستان. وجمعت العملية 20 ألف رجل (الفوج المظلي 55 وفرقة باسدران وفوجين مدرعين من الفرقة 92). وتوجهت القوة الى بستان، القريبة من الحدود المشتركة. وسارت على ضفتي كرْكه في حماية دبابات تشيفتين، على الجانبين، تحوطاً من كمائن تنصب للاجنحة على طريق موحلة. ولم يكن العراقيون يتوقعون الهجوم في ظرف مناخي لا يسعف المهاجمين، فتراجعوا وأخلوا الطريق الى بستان. فبلغ الايرانيون أرباض المدينة في اقل من 3 أيام، وحاولوا الاستيلاء عليها، في 3 كانون الاول، تحت سماء ماطرة وعاصفة. وبلغت المنافسة بين الحرس وبين الجيش النظامي أشدها. وأراد الحرس الظهور على منافسه، فردته القوة العراقية المتحصنة في بستان على اعقابه، وأنزلت في المهاجمين خسائر فادحة لم تثن هؤلاء عن المضي على اختبار نهج الموجات البشرية الباهظ التكلفة، أول مرة في هذه الحرب. وكان رفسنجاني وعد مجلس الشورى الذي يرئسه بانجاز تحرير الارض المحتلة قبل مطلع السنة (الميلادية) الجديدة. وفي 6 كانون الاول، استعاد الباسدران، ومظليو الجيش النظامي، بستان، لقاء 2500 قتيل و5 آلاف جريح (نظير 1500 قتيل عراقي وخسارة نحو 100 مدرعة وذخيرة كبيرة). وأسرع فوج مدفعي ايراني سيّار الى الاراضي العراقية القريبة، وأرسل صورة فوتوغرافية يرى فيها جنوده متحلقين حول اسم الموقع العراقي الى رفسنجاني، قبل اضطراره الى الانسحاب.
ولم يمض اسبوع على استعادة بستان حين هاجم الايرانيون، في 2 كانون الاول، قطاع قصر الشيرين، الى الشمال من الجبهة، ليلاً (وسمّوا العملية "مطلع الفجر"، على سبيل الطباق)، ويمموا الى جيلان زرب وزَهب، وهما بلدتان حيويتان. ففاجأ الهجوم، تحت جنح الظلام وفي جو عاصف وماطر، الفرقتين العراقيتين المدرعتين 12 و17 مرة أخرى، وشلَّهما عن الرد. فتولى مشاة الفرقتين 4و8، طيلة 5 ايام من القتال المرير والملتحم، استعادة البلدتين من غير جدوى. وحالت احوال الطقس دون تدخل الطيران العراقي، فاضطر المشاة المفتقرون الى مساندة الدروع وسلاح الجو، الى الانكفاء. وفي الاثناء، قضمت القوات الايرانية بعض الاراضي بخوزستان. فتقدمت الفرقة المؤللة 77، يساندها فوج من الفرقة المدرعة 92، نحو 20 كلم على الطريق الى حميد والحويزة. واضطر الوحل المهاجمين الى التحصن بدباباتهم ومدفعيتهم في انتظار نهاية موسم الامطار. وأخفق مسعى العراقيين في شن هجوم مضاد على المدائن. وفي ختام 4 اشهر من الهجمات والعمليات المتصلة، حرر الايرانيون 40 في المئة من الاراضي التي احتلها العراقيون قبل 15 شهراً، وحملوا القيادة العراقية على الاعداد لدفاعات ولتحصينات داخلية، على طول طريق بغداد البصرة، غير بعيد من الحدود المشتركة، ومن مجريي الفرات ودجلة.
"الحرب الكلية" طويلة الامد
وأنشأ العراقيون تجهيزاتهم الدفاعية على شاكلة خنادق وحصون علت حقول عبوات وألغام، مضادة للدبابات والبشر، شاسعة. ورفع سلاح الهندسة حول خورمشهر في الاراضي الايرانية، "سور فارس"، على ما سمى صدام حسين التحصينات الضخمة حول المدينة، ونواتها حزام من الاتربة والرمول يبلغ علوه الـ3 أمتار وسماكته الـ10 أمتار وطوله 10 كلم، على رسم حدوة حصان، ووجهه الى الشمال الشرقي. ووراء الجدار، زرعت حقول ألغام، ومدت شبكات اسلاك شائكة فوق كمائن كثيرة، وحفر خندق عريض يحول دون هجوم الموجات البشرية الايرانية تحت غطاء الدبابات وفي حمايتها. وحصنت الدبابات في أعلى الجدار الرملي بـ"أعشاش" رشاشات ثقيلة وخفيفة تحمي الدبابات وطواقمها من تسلق المهاجمين الايرانيين الجدار وقتالهم القريب. ولُغمت الجسور الثلاثة على نهر قارون الى عبادان، وحشدت المدفعية الثقيلة على ضفة شط العرب الغربية، وراء جدار تراب آخر لا يمنعها من قصف ضواحي خورمشهر. وسوَّر وزير الدفاع، عدنان خير الله، البصرة، على الجهة العراقية من المباني الدفاعية الامبراطورية بخندق مائي على ضفة شط العرب الشرقية وقبالة المدينة الساحلية، لا يسع الدبابات اختراقه، طوله 30 كلم وعرضه 2 كلم وعمقه 4 أمتار. وجُرَّت المياه الى "بحيرة السمك"، على ما سمي الخندق، من 3 مجار من شط العرب، ورفع سور رملي بمحاذاته طوله 60 كلم. وفي اثناء وقف النار الاضطراراي الشتوي، جندت القيادة العراقية قوات برية بلغ عديدها 450 الف جندي، وهو عديد القوات الايرانية، نُشرت 3 فرق مشاة جديدة منها، 18 و19و20، خطاً دفاعياً ثانياً.
ولما بدت الحرب طويلة، ولم يتداع النظام الخميني الجديد، ولم تسع الاستماتة "الصوفية" والحماسة الدينية المتوقدة حسم الحرب أو "اقتلاع" صدام، ولا الغلبة السكانية الايرانية (3 الى واحد) وفرق مساحتي الارض، توسل الطرفان بضرب واحدهما موارد الآخر الرئيسية أي النفطية. ولكن ملابسات النفط السياسية والجغرافية قيدت المحاولة. فقصف خط كركوك- دورتيول، من المنابع العراقية الى الوسيط التركي فالاسواق الغربية، يهدد مورداً ودوراً تركيين حيويين، ويجر تالياً الى حرب اخرى لا طاقة لايران بها ولا رغبة لها فيها. فأعملت القيادة الايرانية المنافسة الصدامية الاسدية على الزعامة العربية، غداة انهيار "جبهة الصمود والتصدي" للسلام المصري الاسرائيلي وانسحاب مصر من الدوامة العسكرية المتمادية، وحاجة الديكتاتور السوري الى الحرب على الجبهة اللبنانية الاحتياطية وحملته على تعطيل انبوب كركوك بانياس (550 الف برميل في اليوم اي نصف نفط الشمال العراقي). وعوضت التعطيل بـ9 ملايين طن من النفط الايراني، 80 في المئة منه بسعر تفضيلي و20 في المئة مجاناً. ولا يقل ثمن المقايضة عن مليار دولار اميركي في السنة. وأجاز الرئيس السوري لسلاح الجو الايراني، في واحدة من أكثر العمليات الجوية الايرانية تعقيداً وبراعة، اجتياز المجال الجوي السوري خلسة وقصف القواعد العراقية، ثم عودة الطيارات الايرانية بعد تزويدها بالوقود في الاجواء السورية، الى قواعدها سالمة.
فدعا الالتحام الايراني والسوري العراق والسعودية والولايات المتحدة الى تقوية تعاونها. وأضعف قصف اسرائيل المفاعل النووي العراقي تموز (أوزيراك) التحفظ الاميركي عن تعاظم الدور العراقي العسكري والسياسي في الشرق الاوسط الاستراتيجي (الاتحاد السوفياتي واسرائيل) والنفطي. وبرزت القوة الايرانية الثورية ونفخها في مشروعية الحركات "الشعبية" الاهلية، واشتراطها تقويض الانظمة و"اقتلاع" قياداتها في رأس بنود مفاوضتها على وقف الحرب التي وصفتها بالمفروضة وربطها المنازعات المتفرقة بالعامل الفلسطيني والاسرائيلي- خصماً مغامراً ومقلقاً للأبنية الاقليمية المضطربة والمهلهلة. فأقحمت الحربُ الطارئة على مسرح الانقسامات العربية وحروبه الاقليمية والاهلية، الباردة والحارة، عاملاً جديداً ألهب المسرح فوق لهيبه المزمن. ونزعت الحرب المتوسعة لتشمل أراضي الدولتين المتقاتلتين كلها ومدنهما وأقوامهما ومواردهما وطرق مواصلتهما وعلاقاتهما الخارجية، وتطول سنين متصلة، الى زجها ايديولوجيتين دينية قومية وقومية "خالصة" في التعبئة والقتال، (نزعت) الى التحول حرباً كلية وشاملة على ما لم تختبر دول المشرق العربي من قبل، إذا استثنيت الحروب الاهلية الاقليمية، وفاتحتها الحروب الملبننة والمتطاولة، ثم ذريتها المتكاثرة اليوم في "سوراقيا" (سوريا والعراق مجازاً) وهلالها الجديد.
وفي ختام عمليات "ثامن الائمة" بقيت في يد العراقيين ثلاثة قطاعات حدودية: قصر الشيرين مهران، فكِّه بإزاء المدائن وديزفول، وجنوب خوزستان بين الحويزة وخورمشهر. واختار الجنرالان نجاد وشيرازي القطاع الثاني هدفاً للهجوم المزمع في اواخر شتاء 1982. فهو جسر الى قلب البنية العسكرية العراقية، أي منطقة العمارة على طريق بغداد البصرة. فإذا اصابت الهجمات القلب وسع القيادة العسكرية الانقلاب الى احد القطاعين الباقيين، على ما تقتضي الحال. ونجاح الهجوم يعيد الى إيران آبار النفط التي يضخها الاحتلال العراقي في ديهلوران وموزيان وفَكه. وحشدت القياة في القطاع 120 ألف رجل، 4 فرق من الجيش النظامي و3 من الباسدران، وعهدت الى المدفعية والمضادات والطوافات والمظليين بحمايتهم من سلاح الجو العراقي. واقتصر الحشد العراقي، في مقابلتهم، على 40 الف رجل وترسٍ مدرع امامي من بضع مئات من الآليات ومدفعيتها يتولى استيعاب صدمة الهجوم الاولى. ونشرت وراء الخط الاول فرق المشاة 11 و14 و16، خط دفاع ثانياً على مقربة من الحدود.
انتصار وانتقام
وهاجم الايرانيون، في 17 آذار 1982، جبهة الحويزة حميد جنوباً لصرف انتباه العراقيين عن هدف عملية "فاطمة" المركزي. وخدع العراقيون، فأمرت الاركان الفرقة 14 بإخلاء محور العمارة فَكِّه الى الحويزة. وفي 21-22 آذار تدفقت القوات الايرانية على فكه. فأنزلت الطوافات فوج المظليين 55 وراء خطوط العراقيين، وطوقت وحدات منهم مكامن مدفعية العدو واستولت عليها، ودمرت 40 مدفعاً، وأسرت عدداً من الضباط، وعادت الى خطوطها. واستولت كتيبة اخرى على عين خوش، على مدخل ممر جبلي يشرف على شمال ميدان المعركة، وعزلت الفرقة الاولى المؤللة. وفي الاثناء، هجمت فرقتان من الحرسيين على خطوط العراقيين المتقدمة حول المدائن والنادري، وحالت بينها وبين المناورة والحركة، بينما تولت مدفعية المهاجمين قصف الدفاع العراقي، ولجمت مدفعيته.
وكانت العملية هذه اختبار الباسيج الاول، الى جنب الباسدران، وفي امرتهم. وانتهز هاشمي رفسنجاني الفرصة، فجاء من طهران الى ميدان الحرب، وخطب جموعَ المقاتلين المتطوعين، ووعدهم الجنة، وقرأ عليهم كتاباً من آية الله العظمى الامام روح الله (الـ)خميني يجمع غرض الشهادة في سبيل الله والثورة الاسلامية والامة الايرانية كلاً وجميعاً. وطوقت الدروع الايرانية الفرقتين الاولى والعاشرة العراقيتين. وزحف الحرسيون والباسيج شمالاً، واجتازوا مشاةً روابي وهضاباً صخرية وقاحلة افترض العراقيون انها تقوم مقام حاجز يحمي جناح الفرقة المؤللة الاولى الايسر. ومع طلوع الفجر، أغار المهاجمون على مؤخرة الفرقة، واستولوا على معسكرها. وحين اراد طائرات السوخوي والميغ العراقية نجدة الفرقة العاشرة من هجوم مدرع عليها، جبهتها صواريخ هاوك القريبة، وهاجمتها دوريتا فانتوم وتومكات، وأسقطتا 6 مطاردات عراقية وأعطبت ستاً اخريات. وأسقط طيارو ميراج ف-1 العراقيون 3 طائرات فانتوم. وأتم الايرانيون في 25 آذار الالتفاف على التحصينات العراقية، وتهددوها بالتطويق الكامل. وتأخر امر الاركان بالانسحاب، فتقدم الايرانيون الى شيزانه، على مفترق حيوي، وقطعوا الطريق على انسحاب العراقيين. وحين عزمت الفرقتان العراقيتان على الانسحاب هاجمتها الفرقتان الايرانيتان، وخاضت الفرق المدرعة الاربع معركة دبابات "ملحمية" لعلها اول معركة دبابات ودروع من هذا الصنف منذ الحرب العالمية الثانية. وما خلا كتائب عراقية قليلة افلحت في الهرب من الطوق، سحق الايرانيو معظم الفرقتين. فاستأسر قائد الاولى، الجنرال دخيل علي الهلالي. وفقدت العاشرة مدفعيتها كلها وثلثي دروعها، ووسع فوجاً واحداً بلوغ فَكِّه، رأس الطريق الى العمارة، على دجلة.
وحسِب المقاتلون الايرانيون، وقد استخفهم انتصارهم، ان فكه في مطالهم. وغفلوا عن ان اجتيازهم السهل المنحدر الى الحدود العراقية يُخرجهم من دائرة حماية صواريخ هاوك المنصوبة على مقربة من المدائن. فلما أدركت الاركان العراقية الامر، أمرت سلاح الجو بمعاملة المهاجمين ودباباتهم. فدمرت الطائرات البعيدة من مرمى الصواريخ نحو 100 دبابة، وردت الايرانيين على اعقابهم. وخلص صدام حسين الى درس عسكري حاسم هو ان في مستطاع الطيران، اذا استعمل استعمالاً حصيفاً ومقتصداً، استيعاب اختراق غير محسوب. وعلى رغم الانجاز العراقي في المرحلة الاخيرة من "الفتح المبين"، على ما سمى الايرانيون هجومهم الطويل، لم يشك هؤلاء في انهم احرزوا نصرهم الاول الكبير: تقدموا 60 كلم، واستعادوا ابرز نتوء محتل وبعض حقولهم النفطية، وأنزلوا بخصومهم خسائر ثقيلة (400 دبابة، وآلية مدرعة و150 مدفعاً) وقتلوا 8 آلاف جندي وأسروا 10 آلاف، وقوضوا 3 فرق هي ثلثا الفيلق الرابع، لقاء خسارتهم 4 آلاف قتيل و12 ألف جريح حل محلهم من غير تردد متطوعون مستميتون، ومئتي دبابة و200 مركبة مدرعة عوضت غنائمهم من العراقيين معظمها.
وعلى رغم الاعتزاز المشترك، النظامي والحرسي، بسلسلة المعارك البارعة والمنسقة التي خاضها جناحا القوات الايرانية، واعلان الجنرال شيرازي ان أساليب القتال الثورية مدرسة فريدة في بابها (ورثها "حزب الله" المسلح بلبنان)، لم يغفل الضباط النظاميون عن ان الانتصار في المرتبة الاولى انتصارهم هم. ولم يفت الحرسيين والباسيج انهم "اللحم الحي" الذي سخت به آلة الحرب المختلطة، فشكوا الامر الى محسن رضائي، قائدهم، وأبلغ رضائي رفسنجاني بالشكوى. وغداة الانتصار الحاسم، امر علي خامنئي، وعلي اكبر هاشمي رفسنجاني بسجن صادق قطب زاده، وزير الخارجية السابق في سجن ايفين. وعرض التلفزيون، بعد ايام قليلة، "اعترافات" مصورة أدلى بها الوزير السابق وطعن في وطنية بعض ضباط الجيش النظامي. فأوقف الضباط في الحال، وأنشئت محاكم ثورية ميدانية في الوحدات المقاتلة نبهت الضباط النظاميين المنتشين بمهاراتهم وخبراتهم، ولو في خدمة الثورة الخمينية، الى صدارة الحرس الثوري ورجحان كفته في ميزان الامر والسلطان. وآذن ذلك بتمكين طاقم الثورة الجديد، وعلو كلمته. ودعت الخطبة التي ألقاها خميني في 18 نيسان، يوم القوات المسلحة، الى التسامح ووحدة المقاتلين. ولكن المرشد والقائد الاعلى للقوات المسلحة لم يعف عن واحد من الضباط الـ70 الذي أوقفوا وسجنوا غداة "اعترافات" قطب زاده. ولف النسيان الضباط المعتقلين سراً في سجون مجهولة أو غير "قانونية"، شأن كهريزاك غداة انتخابات جزيران 2009، وأدرك أهلهم انهم قتلوا من غير إعلان ولا إبلاغ. وحل محلهم "ابناء الخميني" من مقاتلي الباسدران والباسيج.
و"الفتح المبين" بعد "ثامن الائمة" و"فجر" كان فاتحة عمليات حررت الاراضي الايرانية المحتلة كلها قبل ان تحتل اراضي عراقية هي تلك التي عاد الجيش العراقي فحررها ودخل اراضي ايرانية في سنة الحرب التاسعة. ودعته الاعباء الثقيلة المترتبة على دوام الحرب الى تمويلها بواسطة "الاجاويد". وأدرك ان دوامها "جنون" على قول احد كبار الضباط العراقيين، وعليه الجلاء عنها. وانتشاء شيرازي، قائد القوات البرية ومن ورائه الكتل الحاكمة الكسروية المتنامية، بـ"الفتح المبين" والاعتزاز بالابتكار والابداع العسكريين، قاد السياسة الخمينية الحرسية الى الغفلة عن شرائط الفتح. فما كان لهذا ان يكون لولا احتياط العديد والعتاد الذي خلفه محمد رضا ميرزا (بهلوي) قبل خلعه، ولو لا جرح الاحتلال الصدامي كرامة الايرانيين واستنفارهم دفاعاً عن استقلالهم ووحدة اراضيهم، واقتصار الحرب ونتائجها المدمرة على اراضي البلدين وشعبيهما قبل استدراج طهران وبغداد إحداهما الاخرى الى حرب النفط وأنابيه وناقلاته، وحشرهما العالم في أزمة عرض وتسويق خانقة بعد 3 أعوام على الازمة الثانية (1973 ثم 1978). فـ"نسي" حكام ايران الجدد، في زهو الاستيلاء على السلطة وتعظيمهم الاستيلاء تعظيماً صوفياً ووراثتهم اعتداداً شاهنشاهياً وبهلوياً بدور إيران وطاقاتها، "نسوا" ان اقتصادهم وماليتهم وأعتدتهم وآلاتهم وشطراً من موارد غذائهم ولباسهم جزء من دائرة ابنية دولية متشابكة، ولا طاقة لها على العمل بمعزل من هذه الابنية. وحسبوا ان اصطباغ السلطة الكسروية فالإمامية الايرانية، ولحمَها "الشعب" بالسلطان يسوغ الافراط في العزلة والتحدي والايمان والموت من غير حساب. فانقلب مقاتلو "الفتح المبين"، ومن بعده "بيت المقدس" و"رمضان المبارك" و"محرم" وسلسلة هجمات "الفجر" و"القدس" و"كربلاء" ( 10 عمليات حملت الاسم)، في ختام حروب متناسلة وفرعية متضاربة الى فرارين ومستأسرين تقدم بعض خبرهم في الحلقة السابقة.
http://almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=604363