الأحد، 24 يونيو 2012

غسان تويني... علماً على ضيافة وجوار لبنانيين لم يشفٍيا من كذب الهوية الواحدة

المستقبل - الاحد 24 /6/2012
لم ترَ مكاتب التحرير في الفضائيات العربية او المحلية اللبنانية حرجاً في نعت غسان تويني، حين اعلان وفاته يوم الجمعة في 8 حزيران، بالنائب والوزير والسفير والكاتب، تباعاً وعلى هذا الترتيب. ولا تلام مكاتب التحرير لا على الترتيب ولا على غيره. فهي تردد اصداء ظن شائع. فلا غرو إذا حسبت ظنون شائعة ومتواترة أن تعريف رجل عام، أي تعاطى الشأن العام وهو السياسة، بشارات الحكم وعلاماته وألقابه، من نيابة ووزارة وسفارة، أولى من تعريفه بمهنة مبهمة مثل الكتابة، أو أدق تعريفاً اجتماعياً مثل الكتابة الصحافية.

[الخاص والعام

وقد يكون التباس المراتب، ومعايير الترتيب، شأناً ثانوياً حين تناول رجل، أي سيرة رجل، مثل غسان تويني. وأكتب "مثل" من غير أن أدري، لا على وجه الدقة ولا على وجه التقريب، علامَ يمثِّل غسان تويني، ولا بماذا يمثَّل به. فهو، على ما أحسب، عَلَم على علاقة الخاص بالعام، أو سيرة المرء في بيته وداره، وبين خواصه وصحبه وأهله، وفي انعطافاته ونفوره وأحوال انفعالاته ورغباته. وهو سيرته في صولاته وجولاته وجهره وأحلافه وعداواته ومخاطباته الآخرين، أفراداً وجماعات، واحتكامه في هذا كله الى موازين أو معايير تتعرَّض للمناقشة والآراء العامة، أو تقبل العمومية، والمشتركة، أو تنشد الاشتراك. وعَلَميته هذه، وهي مرتبة في الدلالة والمعنى، لم تطرأ عفواً واتفاقاً، ولم يصنعها غسان تويني، على ما أراد وشاء. فهي بنت إرادة الرجل ورغبته ونازعه وموارده، وبنت الحوادث والوقائع والهيئات التي لابسها واختار، على هذا القدر أو ذاك، أن ينقاد لها أو ان يتصدى لليِّ وجهتتها.

وفيما قرأت عنه، أي ما قرأت فيه من مقالات قبل وفاته بوقت طويل وغداتها وما سمعت من قبل (وبعض ما قرأت غداة الوفاة، على ما أذكر)، في هذا يتنازع وجها الخاص والعام، ويلابس الوجهُ الوجهَ ولا ينفك منه. فالكتّاب لا يتخلصون من تناول خاص الرجل موت الأولاد الفاجع، مرض الزوجة قبل وفاتها، ترجحه بين فنون الكتابة، هواياته وأهوائه... حتى يعودوا ويمزجوا هذا الخاص برابطتهم به، وهواهم، ورأيهم فيه وفي أحواله: السياسي والكاتب والمرء الحي، مرة أخرى، في آخر المطاف وفي أوله من غير تفريق.

وقد يستجيب هذا الخليط، أو الانقلاب من وجه الى وجه والعود الى الوجه الاول قبل الانقلاب من جديد، نازعاً قوياً حمل غسان تويني نفسه، على الاخص، في اثناء فصول الحروب التي تقلبت على لبنان واللبنانيين وتقاذفته وتقاذفتهم، ولم تنفك تتقاذفه وتتقاذفهم، الى اليوم، حمله على التوسط بين "شعبه" وبين الحياة ( او "العيش"، على قوله في مناشدته "العالم" وهيئة أممه المتحدة). وهو غسان تويني، الوسيط الجامع في صوته وصرخته، وفي القرار 425 والقرار 426 غداة عملية الليطاني الاسرائيلية وديبلوماسيتهما المتزنة، آلامَ المعتقلين والمهجرين وإرادة الدولة المسؤولة عن الارض والمصائر. ولعله مال على الدوام ميل هوى الى الاضطلاع بهذه الوساطة، والى رسوخه هو، لغة ولحماً ودماً، في حلقاتها الثلاث من غير انفصال ولا فصام. وفي خضم حسابات 1952 المتقاطعة والمعقدة بينما كانت تختلط ذيول 1948 الفلسطينية بذيول 1949 الانتخابية المزورة والانقلابية السورية والقومية السورية، و"تثأر" السياسة البريطانية من حليفها الفرنسي، ويلوح في الافق العربي من جهة مصر تقدمُ منطق القوة الانقلابي، على قول تويني، على المنطق البرلماني المتلعثم والعقيم خرج صاحبنا بصرخته الاول ربما التي استعارها من العامة: "بدنا ناكل جوعانين". وكانت ولاية كميل شمعون، يحفها اقتراع كمال جنبلاط التقدمي الاشتراكي والاصلاحي الاجتماعي والروحي، وتأييده، جواب الصرخة.

والحق أن مهمَّ غسان تويني (أي باعث همومه) أو شاغله في هذا المعرض، وفي معارض كثيرة لاحقة، لم يكن مطابقة كميل شمعون، "الهاشمي" الاقليمي والليبرالي التجاري والمغامر وصاحب وجاهة الاستعراض السياسية والشخصية الجديدة، إلحاحَ الجوع، ولا العزم أو القوة على معالجته. والمعالجة التي نجمت فعلاً عن سياسة كميل شمعون الاقتصادية إنما ترتبت على تداعي المفاعيل ولم تقصد لنفسها، وهذا لا يتنافى مع المذهب بل هو في صلبه. فشاغل الصرخة التوينية في الوقت المبكر هذا من سيرته المهنية الصحافية والسياسية وسيرة الرجل اليافع، كان إخراج المسألة السياسية والعامة مُخرج المعاناة الحسية والنفسية الأليمة والصارخة. ولا يخلو الإخراج أو الجلو على هذا النحو من مسرحة مشهدية، ولا من خطابة متمادية. ولا ريب في أن الإيقان الثابت، على مثال ديني بيزنطي قيامي أو روماني، بعدالة القضية التي تتناولها الوساطة على مثال التجسيد والشهادة والقيامة، وبرسالة المندوب الى التبليغ والبشارة، هذا الايقان المزدوج دعا "التويني"، على تسميته بعض محبيه، ودعا مريديه ومن تتلمذوا عليه، الى الاقبال على المسرحة والخطابة والوساطة من غير تحفظ ولا اقتصاد.

[الكونية والعصبية

والتطرق الى هذه المسألة، قبل جلجلة الرجل وفي اثنائها وهي لا بَعد لها إلا... القيامة، وهذه لا علم لنا بها إلا من طريق التصديق المحض، محرج. فالانتباه الى المسرحة والخطابة يُخرج المنتبه من المشهد، أو المَشَاهد على قول الشيعة الإمامية، وما يحسبه المؤمنون لجة عميقة، الى صحو سطحي وتقريري وجانبي. وحرص تويني، صاحب "النهار"، ومعمارها وعقيد حروبها ومعماتها، على تأمين خطوطه الخلفية، إذا جازت الاستعارة الحَربية والميدانية. فنأى بالقضايا والمسائل التي رفع راياتها على منبر صحيفته الوطنية اللبنانية "المؤتلفة"، وهي فريدة في بابها يوم كانت الصحف الأخرى ألسنة غرضيات محلية وأهلية، من صيغها الأهلية أو الحزبية التي لم تفارقها، ولم يكن لها أن تفارقها أو أن يسعها مفارقتها.

فقبل "ثورته" في 1952، و"الجبهة الوطنية الاشتراكية" على زعم القطبين الشوفيين، على الرئيس الاستقلالي الأول، خرج الحزبي والناشط العشريني على انطون سعادة، ونظامه الحزبي، ومعه رهط لامع من الجامعيين الفلسطينيين. ودار الخلاف على جواز ادعاء الحزب، وصاحب دعوته وبَيْعته وتعاقده، الاحتكام الى قيم ومعايير "سورية" تتقدم القيم والمعايير العامة والجامعة، الانسانية الكونية، على مذهب "التنوير". وعلى حين أوجب "الزعيم" اعتقاد القيم والمعايير السورية الخالصة، وأوجب فرادتها وخصوصيتها، وخواء المزاعم الجامعة والعامة الكونية، وهذا على خطى مذاهب قومية جماهيرية اجتماعية شاعت في انحاء شرق أوروبا وبعض وسطها غداة الحرب العالمية الأولى وفظاعاتها وأهوالها لم يتردد صاحب "النهار" والرهط الفلسطيني معه في الانشقاق عن النظام "المناقبي" "السوري"، والخروج عليه.

ولم يحمله انشقاقه على الطعن في صاحب النظام الحزبي، ولا على جفاء أنصاره ومريديه ومشايعيه. فهو انتصر للفكرة والاصل الكونيين والاخلاقيين التنويريين، على الدعوة العصبية والقبلية السلالية، وأصبح على ظنه في حل من معاداة الرجل وشيعته. وحين خرج انطون سعادة على الدولة اللبنانية، على رأس بعض العشائر والعسكريين و"المخابرات" المبكرين، وحكم القضاء العرفي والعسكري فيه بالاعدام، وصف غسان تويني الإجراء بـ"الاغتيال". ودعاه الى وصفه الخطير هذا داع أو شاغل قضائي وحقوقي صوَّر له جواز محاكمة علنية وعادية يحتج فيها الخصوم المترافعون لقضاياهم، ويدفعون حجج خصومهم ودعاويهم. ويفترض تجويز مثل هذه المحاكمة بعض الاجماع السياسي والتاريخي على محل الدولة وهيئاتها وقضائها من الجماعات ومنازعها، وعلى دورها في التحكيم في الانقسامات والمنازعات. ولكن اطمئنان خالف جبران تويني على صحيفة والده ومساعد شارل مالك بسان فرنسيسكو ونيويورك، الى عدالة دعواه الجامعة والعامة، واستقامة أسسها وأركانها، هذا الاطمئنان سوغ من غير تردد ظاهر مساواة الحكم القضائي المستعجل بجريمة خاصة.

وربما خطر للصحافي الرأي القاطع، والمحرض بعض الشيء، وربما لم يخطر أن الوصف بالاغتيال لا يبعد كثيراً من تسويغ عملي وأخلاقي لـ"رد" باغتيال مثله. والبادئ (من البادئ في الحال هذه؟)، وهو القضاء العسكري العرفي، ظالم من غير مقايسة ولا أسباب مخففة. فهو جزء من دولة وكيان حقوقي وقانوني، ولا عذر له اذا اشتط أو أفرط في إعمال قوة الحق العام، ووضعها موضع خادم مصلحة خاصة. فخلط وصفُ الفعل القضائي المتسرع، والناجم عن حرج عميق، بالاغتيال التشخيصَ القانوني والاخلاقي المجرد بالغفلة عن الاشتراطات الاجتماعية والثقافية لإعمال المسرح أو الميدان القضائي، على قول ويزينغا (صاحب "انسان اللعب")، جهاراً نهاراً. وبينما يسع صاحب التشخيص القانوني، والاخلاقي المجرد وهو في هذا المعرض غسان تويني الخارج لتوه من حزب سعادة، والمنكر عليه تقديم الجزئي الحزبي على الجامع العام الكلي- الإدلال بطهارة كفه ويده وبانتصاره للحق انتصاراً خالصاً، يتخبط من يطعن في صدق التشخيص، ويدعو الى احتساب الاشتراطات والملابسات والنظر فيها، في ترتيب المقتضيات والمسوغات والمقارنة بين احتمالات معظم نتائجها طي الغيب المجهول والخفي. فيضطلع صحافي الرأي بالدور المجليّ والناصع، ويلبس السياسي القميص الملطخة بالقذارة والاوساخ. وقد يسدد الحساب من دمه وعمره، على ما حصل لرياض الصلح.

والقسمة هذه هي من محدثات الديموقراطية وبلورتها رأياً عاماً، يشار إليه منفرداً ويراد بمفرده جمعاً يتعدد كتلاً وتيارات وأفراداً. و"صناعة" الصحافة هي، بدورها، من ولائد الرأي العام وقيامه رقيباً وقيداً على السياسيين، ومنازعته إياهم "قيادة" الدولة وأجهزتها ومرافق الاجتماع، على قدر انقياد هذه جميعاًالى قيادة. ولا ريب في ان غسان تويني كان في جملة مديدة وعريضة من كتاب رأي عرب، حصة اللبنانيين منهم وافرة، انتبهوا الى قوة "السلاح الميتافيزيقي"، على ما سمى ت. إ. لورنس مزيج الصحافة والدعوة الدينية، هذا، على النحو الذي أعمله شريف مكة الهاشمي في ثورته على العثمانيين. وهو احتذى على دمجهم تناول العامة، المدنية والاصلاحية والتاريخية، في الكتابة الصحافية واليومية. فما من كاتب إلا وهو مفكر، وما من كاتب مفكر إلا وهو داعية إصلاح ومحرض على الاحياء أو التقدم أو النهضة من طرقها المتفرقة.

[الصحافي والسياسي

وتصدى لهذا الدور المتاح في "بلد" أو مجتمع لا تقوم دولته، ولا "طبقته" الحاكمة، وصية قاهرة على وجوه تدبيره الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية، من يملكون مقومات النشر الصحافي ومقتضيات الدور السياسي أو المكانة السياسية، ومن كان يسعهم مزج العملين، والترجح بينهما، والإدلال بمزايا الجمع والترجح على رغم الفرق بين معايير العملين وغاياتهما ومناهجهما. وأتاحت الصحافة في لبنان لغسان تويني، ولكثيرين غيره من اصحاب قرنه أو جيله مثل كامل مروة ورياض طه ونسيب المتني وسليم اللوزي وفؤاد حداد (أبو الحن) وآخرين، اداء دور مولِّد أو مختلط جمع من "المهنتين" بعض مقوماتهما وآثارهما. فالعلانية الاجتماعية والسياسية اللبنانية، تضافرت مع المنازعات والانقسامات المتفرقة وغير المستترة، ومع قوة الهوى السياسي العامي وتحكمه في الجماعات الاهلية، تضافرت كلها على تغذية الصحافة، وتكثير منابرها، واحتداد خطابتها. ولكن المنابت الاجتماعية العامية التي تشاركها معظم الصحافيين وأصحاب الصحف الذين تقدمت أسماؤهم، ونشأتهم في جماعات أهلية لم تضعف فيها بعد بنيتها المرتبية، ومباشرتهم الصحافة ابتداء من غير وراثة، حالت بينهم وبين مزاولة السياسة أو النجاح في المزاولة، على خلاف غسان تويني.

فهو سليل عائلة أرثوذكسية تصدرت في اثناء النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مع آل سرسق و"خواجاتهم"، ارتقاء بيروت الى أحد موانئ شرق المتوسط الاولى، مع الاسكندرية وإزمير وبينهما. ولم يُخرِج ارتقاء العامة المسيحيين اصحاب المراتب الجديدة من جماعاتهم، على خلاف عامة الجماعات المسلمة، ولم يشطرها شطرين متحاربين، على خلاف الجماعات المسلمة كذلك والشيعة الاماميين على وجه الخصوص. فبقي الشاب المتحفز والداعية الحزبي " النهضوي" ومحترف الصحافة وعلانيتها، بين أهله، وفي ربعه. فلم يُفرَد على حدة، ولم يُدع الى اطراح رومنطيقيته الجامحة. وأسعفته اقامته الدراسية والديبلوماسية المبكرة في بعض العواصم العالم الجديد والمولود من الحرب الثانية وأطوار عولمتها العسكرية والاقتصادية والحقوقية غير المسبوقة. فتقدمت احاطته بأحوال العالمين على مطامح النخب اللبنانية الاهلية وصبوتها الى محاكاة المثالات التي تتلمذت عليها، وكانت في اصل سبقها الاجتماعي ورجحان كفتها السياسية (وليس سيطرتها).

وعلى خلاف السياسيين والصحافيين، من أقرانه وغيرهم، لم يحترف تويني السياسة (على قدر ما احترفها) من داخل أبنية السياسة اللبنانية ومراتبها وعصبياتها، من غير أن يغرد طائراً خارج سربه. ولم يحترف الصحافة على شاكلة الصحافيين المحترفين، إما الموالين لجماعاتهم والمعولين عليها وإما المترفعين عن الولاء والمستظهرين بمرتبة سامية وجامعة تهيمن على الولاءات الجزئية، من غير الاقتصار على الهواية الاريستوقراطية. فأقام على حلم مستحيل لوَّح له بإمكان نهوض الصوت الانتخابي على "الصياح" الصحافي، واتصال الاول بالثاني وصدوره عنه. فلا يدين الصحافي بانتخابه لمقعده البرلماني الى احلاف اللائحة المعقدة في دائرة عاليه: أصوات الارثوذكسي متنور الطبقات الوسطى الى اصوات الدرزي الارسلاني والشمعوني الى أصوات الماروني رجل الاعمال البيروتي الثري... أو في دائرة بيروت الاولى، بل يعوم على المياه المجتمعة رأياً عاماً من القراء الذين استمالتهم الصحيفة واحداً واحداً، ومعركة بعد معركة، وخبراً بعد خبر، وأخرجتهم من أسوارهم العشائرية والمحلية والعصبية الى رحاب "منطق" أو "عقل" مشترك ، الصحيفة الصباحية لسانه الفصيح.

ومن المفارقات الكثيرة أن طريق غسان تويني الصحافي الى نيابة الرأي رمته على الدوام في احضان عصبيات حادة، وألزمته الركون اليها، وأن مَن قلما احتاجت اللوائح النيابية الى سهمه في رميها، رحبت به الوزارات والرئاسات مشيراً، وصاحب شعارات، وخطيباً مثيراً. وبقي طيف جان جاك سيرفان شريبر، منشئ اسبوعية "الاكسبرس" الفرنسية في اوائل الخمسينات وعضد بيار منديس فرانس على تصفية الممتلكات الاستعمارية، وداعية جمهورية حديثة قوامها "عقد ولاية" بين الحكومة وبين غالبية نيابية تؤيدها على رغم اخفاق الصحافي في الانقلاب أو التحول سياسياً نافذاً، بقي يداعب خيال تويني. فإذا أزف وقت تصفية شهابية ضعيفة وآفلة، انقلب عليها قبل 6 أعوام أركانها البرلمانيون وجفتها الكنيسة المارونية لم يبق وفياً لها غير بعض العسكريين المعتادين تنفيذ الاوامر، كانت "النهار" واستاذها الاول، على موعد مع رئيس شمالي هو خلاصة او زبدة عيوب "الطبقة" السياسية الحاكمة: ضيق أفق، ومحاصصة، وجهلاً بمقتضيات عمل الدولة.

ومع سليمان فرنجية هذا، وجه "ديموقراطية الصوت الواحد"، على قول غسان تويني فيه وهو ذهب مثَلَاً متناقلاً على رغم مفارقته المتعمَّدة وزيفه العميق، مع رجل البارودة وجرن الكبة وقدح العرق والمسبحة و"بز" السيجارة والشروال، على ما صوره بيار صادق الرسام وأحد أعلام "النهار"، ومع صائب سلام، رئيس الوزراء العائد بعد "دهر" من التعليق والتواري الداخليين، أراد الاستاذ التويني طي صفحة الشهابية وتجديد صيغة الحكم و"شبابه"، وحمله على التصدي لمشكلات العصر الكبيرة والحادة على ما تراءت في مرآة "ثورة الشباب" العالمية في 1968 وربيعها وخريفها الداب. وكانت الصحيفة اليومية اللبنانية الاوسع انتشاراً، والاحدث طباعة ومطبعة، والأغنى تحريراً، والاكثر تنوعاً وملاحق اسبوعية، والأسبق الى زرع المراسلين المقيمين في اليمن والخليج وندب المراسلين الجوالين الى مصر وبراغ وفيينا وواشنطن كانت (كان استاذها في المرتبة الاولى) تهتز اعطافها ترحيباً بموجات الربيع الطالبي والشبابي الاوروبي وتتغاضى عن الربيع الاميركي والاسيوي، وتهلل لمزيج الافعال والاقوال الشعرية والجرأة السياسية والمطلبية الجامحة والمنضبطة. وتولى جناحها "الشعري" الوجوه الثورية والغنائية والفوضوية من الحركات الطالبية الربيعية، وأدرجها في تراثه وتجديده المحليين والعربيين.

[الجوار المضياف

وتولى سياسيو "النهار"، غداة 1967 وهزيمتها المدوية وبدايات الكفاح الفلسطيني المسلح واستدخاله المعارضات العربية الطالبية واليسارية في المرتبة الاولى، تثمير اصداء الحركات وذيولها في الحملة على الانظمة العسكرية المستولية ونزعاتها الادارية والامرية، الاجتماعية والثقافية المتزمتة، وأحلافها الشرقية والسوفياتية. ودمج السياسيون النهاريون، على نحو متعسف، شهابية الهزيع الاخير من عهد شارل حلو، المتردد والمتلعثم والمحبط، في الانظمة العسكرية العربية، "الشيوعية" على زعم ريمون اده، أحد ملهمي غسان تويني السياسيين والمتناقضين. وكان مرشد "النهار" ومجددها اليقظ والمتنبه راقب من باريس، منبهراً ومفتتناً، هبوط أول مركبة فضائية (اميركية) مأهولة على سطح القمر في 1969. وبعث فيه الانجاز العلمي والتقاني حماسة محمومة. فحسب أن في وسعه النظر من علياء الصنيع هذا الى أحوال "هذه البلاد"، واقتراح صيغة نهضة علمية وتقنية عليها، وعلى شعوبها وحكوماتها في ضوء ما رأى على شاشة التلفزيون بباريس، وما رآه مثله مليار ونصف المليار من البشر بينهم عشرات الملايين من العرب. ولعل كشف الحساب العربي العسير في محاوراته مع جان لاكوتير وجيرار خوري الموسومة بـ"قرن بدد" (أو "قرن للاشيء") ولد في العشرة الباريسية هذه.

والمنزع الى "الاستشراف"، والى التحريض بناء على الاستشراف المفترض وحسبان الانفراد به، هو من ميراث النهضويين العرب، حداثويهم وسلفييهم الاحيائيين معاً. فغلبت على الخطابة التوينية والنهارية، إذا استثنيت بعض أعمدة ميشال ابو جودة، إرادوية سادرة، وميل الى الكرازة. وعظَّم هذا الميل تولي صحافي الصحيفة الاول، وهو السياسي الصحافي المولَّد والموشَّى على ما مر، ادارة التحرير اليومية، التنفيذية والتخطيطية في دقائقها وتفاصيلها. وهوى الصحافة السياسية، وقربه من هوى السياسة وامتزاجه الحميم به، نأى بـ"الاستاذ" من الانتباه الى مثال صحافي غير مثال صحافة الرأي العربية والنهضوية التقليدية، هو صحافة التحقيق، الاميركية أولاً، أو صحافة التقصي والاستطلاع والوصف والرواية و"الاستخبار"، على قول هيردوتس أو النساخين الذين تولوا عنونة تقصيه في بلاد العالم القديم. فكست صفحات الصحيفة المتكاثرة العدد آراء وأفكار في الشاردة والواردة. فلا يدلي سياسي، أو اداري او نقابي او ناشط من كل حدب وصوب (وكان امتياز أو مائز "النهار"، محاولتها الاحاطة بمصادر القول وانحائه كلها)، إلا واستقبلت الصحيفة دلوه. وانتهى الأمر بها، غداة إحكام القبضة الاستخبارية السورية، الى التحول مجمعاً من مراسلي المنظمات السياسية، وفيديرالية معلقين ووكلاء تيارات لا رابط بينهم.

وغداة خروج المنظمات الفلسطينية المسلحة الى العلن السياسي والاهلي المحلي والدولي، ولجوء المعارضات الحزبية العربية الجديدة والقديمة الى بيروت، بادرت هي الى استكتاب اصحاب الرأي، المتفرقين على صحف يومية وأسبوعية كثيرة اختارت بيروت منبراً وموئلاً قبل هبوب الاغتيالات والتفجيرات عليها وعلى ضيوفها، وجمعتهم في مياهها المختلطة والمتدفقة. فكانت مرآة تنوع مرسل وجوار مضياف لا يحتكمان الى حد أو وازع أو "غلبة في التأليف"، على قول ابن خلدون الذي أوجب في التأليف بين الكثرة غلبة أو مرجعاً ينتهي اليه التداعي لا إلى غاية. وفشت الفتاوى المأذونة التي مال "الاستاذ"، في ذروة انتشار صحيفته واستحواذها على "سوقي" القراءة والاعلان، الى الاحتذاء على اسلوبها، في صفحات الصحيفة الليبرالية. وانتصب المحررون، وكلهم معلقون وكتاب افتتاحية وعمود، في الاقسام كلها قضاة لا راد لفصلهم وبتهم في ما يلتبس على الناس ويشكل من شؤون وشجون. فكانوا، في غرة شارع الحمراء الشرقية وفي مرافق الشارع المتدافع والمحموم، صنفاً مختلفاً من الناس، بريئاً من منازعاتهم وانقساماتهم واضطرابهم وخفاء وجوه منهم على ادراكهم وارادتهم ورغباتهم المعلنة. وأوهمتهم أسفارهم ورحلاتهم واقامتهم في بعض عواصم العالم بعالميتهم، وطليعيتهم العالمية، ومكانتهم المتقدمة في مراتب الابداع والخلق والذوق.

فلما استأنفت الحركة الطالبية، وهي في القلب من روافد نقابية واهلية وعروبية ولبنانية، اضراباتها وتظاهراتها، وتبوأ غسان تويني نيابة رئاسة الوزارة في ظل "قبضايين" سياسيين أهليين ومحترفين، حسب أن في وسعه اخيراً تجسيد حكم "الرئيس الصحافي"، عوضاً عن "الملك الفيلسوف" اليوناني أو الامامي الاثني عشري، شريكاً فكرياً عاملاً لرئيس البارودة ورئيس النبوت والقرنفلة. وحمله الاعتداد بالنفس، والتشبه بالمثال الاوروبي المفترض، الى سحر التخييل الاعلامي الطاغي الذي زاولته "النهار" وانقادت اليه، حملته هذه مجتمعة في خضم صخب معمٍّ على تصديق ظنون حميمة صورت له أنه نجح في اصابة الكيمياء الموعودة، أي تسيير الحكم ودفته بواسطة الحمى الصحافية. فاحتلت محاورة خاطفة ومبهمة بين وزير التربية الذي نزل من مكتبه الى الطبقة الارضية حيث طليعة المتظاهرين، وبين بعض الطلاب الثانويين، عناوين الصحيفة الاولى والغليظة (الحرف). وأرهصت المحاورة، على زعم "الصحيفة" بنهج جديد في السياسة والتصدي لمشكلاتها وحلول المشكلات. وتمادى الصحافي التويني في اقتناص "مفعول الاعلان"، على القول الفرنسي، فأوعز الى الوزير تويني بإجراء رقمي وجزئي أراده مدوياً، وهو افتتاح 50 مدرسة ثانوية مسائية. فجلا الاجراء حلاً ثورياً لقضايا البطالة والاستيعاب والتصفية التعليمية، المتشابكة بقضايا الهجرة من الارياف، وغلبة الفتيان والشباب على اهل الجماعات الطائفية المهاجرة، ونزول هذه ضواحي وأحزمة داخل المدينة الكبيرة ومنفية منها وانقيادها المتردد والمتفاوت لسياسة "البندقية" والهوية الفلسطينية الجديدة.

والحق أن هذا لم يكن خير ما تفتقت عنه مسيرة الرجل أو قريحته. وهو ليس قرينة على التخبط والارتجال والتنقل بين أوجه المشكلات والاحوال والسياسات، على ما قد يُشتمّ من الرواية المتقدمة. فسبل السياسة ومسالكها في مجتمع تحرر من ربقة سلطان قاهر من غير أن يتوج تحرره في صيغة عقد سياسي ووطني، شديدة الالتواء. وامتنع التعاقد القوي على الجماعات المستسرسلة في التحاقها رعية بسلطنات آفلة أو بازعة أو مختلطة (وهو ما حسبه "الاستاذ غسان" حروب الآخرين، أشهر كلماته ربما). وعلى هذا، استغلقت سبل السياسة ومسالكها في هكذا مجتمع أو مجتمعات، على غير الملهمين وأشباه الائمة والأولياء. وعلى رغم تتلمذ تويني على انطون سعادة، وبعض الافراط في الجمع بين اليقين والحقيقة والاطمئنان الى "العلامات" وتأويلها، لم يركب الرجل هذا الشطط. وامتحنت الحروب الملبننة والمتوالدة والمتحولة صاحب "النهار"، و"نهاره". فاضطرت الحروب الصحيفة، وصحافييها وقراءها أو شطراً منهم، وصاحبها في المرتبة الاولى ربما، الى الخروج من قوقعة الاصطفاء والارادة النرجسية والجبرانية. واضطرها انفجار الدولة والمجتمع اللبنانيين الى الصدور في ثوب خلق مثَّل على زوال السحر، من غير شك، وعلى ثمن السعي المستميت في احقاق هوية "حقيقية" لا تشوبها شائبة الداخلية ولا شائبة الساحلية، "لا شرقية ولا غربية". وطوال عقد ونصف عقد على اضعف تقدير، أقامت الصحيفة اليومية "الكبرى" على خلقها وفقرها، وعلى لبنانية غريبة هي الظل النحيل والقاتم لاحتراب اللبنانيين واقتتالهم شيعاً وأحزاباً على جدار من الكلمات المرصوفة والمكابرة.

وطوال هذه الاعوام الطويلة المريرة، كانت "النهار" الخلقة والفقيرة، نتفة شامخة من الوطن اليومي الذي كنت أنام كل خاتمة نهار مبكرة على نزعه المتطاول ولا أفيق، مع "نهار" غسان تويني، على غير نتفه الدامية والباقية. وكان هذا دواء شافياً من كذب الهوية "الحقيقية"، العروبية، ومحاكاتها المميتة الطهر والقداسة والملحمة المظفرة على طريق النفس الواحدة والمجتمعة.

الأحد، 10 يونيو 2012

دمج العدو الداخلي والوطني (السوري)في قطبية المشرق الخصيب/الخليج القاحل


المستقبل، 10/6/2012

يرسو رد نظام بشار الاسد على الحركات الشعبية السورية المناهضة، والتكتل الدولي والاقليمي المساند، على دمج العنف البربري، العشائري والبيروقراطي، الذي تتوسله القوات النظامية واحتياطها الاهلي، في اثنينية جغرافية سياسية واستراتيجية تنهض على دائرتين متقابلتين ومتعادلتين هما دائرة الهلال الخصيب، من جهة، ودائرة بلدان الخليج أو شبه الجزيرة العربية، من جهة ثانية. فغداة مجزرة الحولة، وبعد لقاء كوفي أنان، مبعوث الامم المتحدة (والجامعة العربية)، في 29 أيار، ابلغ بشار الاسد المبعوث الدولي أن "المجموعات الارهابية المسلحة صعدت من أعمالها الارهابية في الآونة الاخيرة في شكل ملحوظ في مختلف المناطق السورية ومارست اعمال القتل والخطف بحق المواطنين السوريين...". وهو الشق الامني والأهلي من التشخيص. وأرفق "الرئيس" قوله أو إيضاحه، على قول "سانا"، بـ"تأكيده ضرورة التزام الدول التي تقوم بتمويل وتسليح وإيواء المجموعات الارهابية بهذه الخطة" (خطة أنان)، وهو الشق الاقليمي والدولي من التشخيص. وكرر في خطبة 3 حزيران مقالته.

وفي اليوم نفسه، وقبله بأيام وبعده بأيام، تناوب الفريق "المدني"، التقني الديبلوماسي والسني (وليد المعلم وبثنية شعبان وفيصل المقداد وجهاد مقدسي)، على تفصيل الشقين ودمجهما الواحد في الآخر معاً. فأرسل المعلم رسالة الى نظيره وصنوه اللبناني يأمره فيها بإبلاغه ما انتهت اليه التحقيقات في المركب "لطف الله -2" الذي ضبطت فيه اسلحة مهربة، وفي مصادرها في المرتبة الاولى. ودأب "عامل" الاسد في لبنان على تسمية بلدين خليجيين يحملهما المسؤولية عن التهريب المشهود (والمجهول المصدر) والمنحول والمحتمل بينما تقتل القوات السورية على الحدود الشمالية – الشرقية مزارعين (لبنانيين) وصياد أرانب ومهربين من الاصناف جميعها رعتهم الاجهزة "العربية السورية" عقوداً طويلة ويسّرت أعمالهم واستخدمتهم.

أجنحة متكسرة

وأما صحافة "المقاومة" بساحة لبنان وثغره وإقليمه فلا تمل ولا تضجر من الابداء والاعادة في سرد فقرات المرحلة التي نجم عنها الانفجار السوري: إجلاء القوة العظمى الصاعدة الايرانية، المستوية قوة نووية تتمتع بحقوق القوة النووية الثابته، القوةَ العظمى السابقة الآفلة الاميركية عن العراق عنوة، نشر هذا الاجلاء الذعر والارتباك والهستيريا في صف حلفاء أو اتباع الدولة الاميركية المتهاوية، أي دول الخليج واسرائيل. فاجتهدت في اضعاف القبضة المجاهدة من طريق إخراج الحلقة السورية ثم حلقة الجماعة الخمينية المسلحة في لبنان من الطوق المقاوم والصامد، على ما ينوه باتريك سيل كل أسبوع تقريباً وبالعبارة الثابتة نفسها. وليست "حوادث" سوريا إلا ثمرة الهلع الاميركي والاسرائيلي والخليجي والتركي العثماني، وتواطؤ هذه الاجنحة المتكسرة على مربع الصمود الامبريالية الصليبية والاستيطان العنصري والنيوليبرالية المتوحشة.

ويبعث الرد الاسدي على الحركة السورية، ودمجه التشخيص الامني الارهابي في التشخيص الاقليمي والجغرافي السياسي وقسمته، يبعث شطراً عريضاً من تاريخ النزاعات والحروب والانقسامات العربية في نصف القرن الاخير. وحملُ الرد الاسدي على بعد أو عمق تاريخي ينأى به، ظاهراً، عن عماه العنيف والمدمر. والتنبيه الى "منطق" العنف يسوغه. فانشطار "جامعة" البلدان العربية، غداة الحرب الثانية في اثر قيام اسرائيل وتعاقب الانقلابات العسكرية، كتلين ومعسكرين (على التقريب) إنما كان محوره أو خط أساساته البلدان الثلاثة، العراق والاردن وسوريا (ولبنان استلحاقاً)، التي تقع على مفصل الدائرة الصحراوية، الشرقية والجنوبية، والدائرة المشرقية "المتمدنة" و"السياسية"، على قول صاحب القوم نفسه. وكان اضطلاع سوريا بدور الساحة المفصلية في النزاع الموروث من حقبة ما بين الحربين مصدره الجعرافي السياسي دخولها في الدائرتين معاً: الدائرة الصحراوية، "البدوية"، على قول انطون سعادة، والدائرة المشرقية. فهي طرف الهلال الخصيب الغربي، وقلبه السياسي الحديث، من وجه، وهي تتمة المسالك والممالك التي تضرب بجذورها ومصادرها في قلب جزيرة العرب ومصبها، من وجه آخر. واجتمعت فيها المنازع السياسية والجماعات الاهلية المترجحة بين القطبين. ولا شك في ان قيام مصر، في طرف فلسطين والاردن، قطباً راجحاً ومائلاً الى الكفة المشرقية ، قبل عبد الناصر وفي اثناء مرحلته، إنما يندرج في رسم النزاع العريض وتكتيله قواه البارزة. وأدت الحرب الباردة، وتمددها في أرجاء الشرق الاوسط (الادنى)، الى بلورة الكتلتين العربيتين، وبروز ملامحهما بروزاً حاداً. فاستجاب "الصراعُ على سوريا" بنية الجماعات الداخلية ومنازعاتها على قدر استجابته موازين المنازعات والاحلاف الاقليمية، على خلاف مزاعم صاحب العبارة الذائعة وترجيحه كفة العوامل الثانية على الاولى.

وعلى هذا استقرت كتلتان عربيتان كبيرتان ومتنازعتان دارت خلافاتهما المتجددة على عوامل داخلية وخارجية ثابتة. فبينما أقامت بلدان الداخلية العربية، وبعضها بقي ممتلكات استعمارية الى وقت متأخر من العقد السابع والجلاء عن شرق السويس، في عهدة طبقات حاكمة قديمة محافظة وعصبية، استولت على حكم المشرق "طبقات" جديدة، عامية ومدينية من المتعلمين والموظفين في أجهزة الدولة. ولم ينفض معظمُ أجزاء هذه "الطبقات" الروابط الاهلية السابقة وعصبياتها. ولكن نشأة الكيانات السياسية وإداراتها ومجتمعاتها ومدنها ومدارسها وجامعاتها، ولدت أو بلورت في وجه العصبيات الاهلية المشدودة الى ديراتها ودوائرها ومعتقداتها وشعائرها، عصبيات "عليا"، "قومية" ودينية، تولت رعايتها ونشرها عيئات وبنى جديدة مختلطة، جمعيات ونوادٍ وأحزاب وروابط مهنية وأجسام سلكية. وغالباً ما حصنت الفئات الضعيفة، والمنفكة من الاجسام العصبية والمتصدعة، ضعفها بإزاء الرئاسات العصبية الممتحنة والمراتب الاهلية التي خلخلتها علاقات اجتماعية طارئة، غالباً ما حصنت الضعف الموضعي هذا بواسطة النازع المتسامي والعَلَوي والتنظيمي. فلامست حروب أهلية وعصبية متفاوتة الحدة تبلور الجماعات الجديدة ونهوضها الى القيادة، ولازمت النزاعات "الوطنية" وصبغتها بصبغتها.

وغذت المحنة الفلسطينية – وهي مشرقية في المرتبة الاولى، وأسهمت في ضم مصر الى الكتلة المشرقية أو "بلدان الطوق" وفي إبعاد الداخلية العربية عن المشرق وشدها إليه معاً- الشقاق السياسي والجغرافي والاستراتيجي. فرتب على العصبيات العامية و"الجمهورية" الحاكمة، وعلى جمهورها ودولها، "مهمة" عاجلة وقريبة هي السعي في "عودة" فلسطين والفلسطينيين من طريق الوحدة وعصبيتها الجامعة، ومن طريق مناهضة الامبريالية والاستعمار الغربيين والرأسماليين. وماشت الكتلة الداخلية والصحراوية بعض النازع المشرقي هذا. ودعاها الى مماشاته داعيا القومية العروبية، على معنى ميزته البنى الاجتماعية الاهلية من المعنى العامي المشرقي، والاسلام، وهو في إطار الداخلية غيره في اطار المشرق ومصر. وفرقت الكتلتين، على هذا، عواملُ ناجمة عن البنية الاجتماعية، وعن التاريخ القريب والبعيد، والايديولوجية، على نحو وقدر ما هي ناجمة عن القواسم المشتركة الحقيقية والمفترضة.

نقائض

ولم تكن "الحرب العربية الباردة"، على قول قتيل أحد "القادة المؤسسين" في الجماعة الخمينية المسلحة، واستقرارها في صلب العلاقات الاقليمية العربية، إلا احد وجوه حرب اهلية عربية، بعضها اجتماعي، وبعضها الثاني قومي، وبعضها الثالث إيديولوجي... وفي ختام الفصل الناصري من الحرب هذه، عشية 11 حزيران 1967، حمل رئيس جمهورية مصر العربية الضربة القاسية على تموين الاسطول السادس بنفط عربي وعلى فتح أجواء عربية للطيران الاسرائيلي الغادر. ودعا صديقه وزميله "الاميركي" الى خلافته على الرئاسة. وكان الرجل نفسه نقل الحرب المشرقية – الخليجية الى اليمن قبل نصف عقد، وارسل نحو ربع قواته المسلحة الى جوار القطب الخليجي، وأباح لها استعمال السلاح الكيماوي في بلاد البرابرة. وأثقل انقسام الحرب الباردة، وهي حرب أهلية عالمية على ما جرى القول، على الانقسامات الاخرى المستعرة بين الكتلتين. ولم يعدم الكتلة الرد على الاخرى بتقديم محور على آخر، ونَقْض قطب بآخر: فنُقض قطبُ الرجعية او المحافظة بالتقدم، والاسلام بالعروبة، والملكية بالجمهورية، والتبعية بالتحرر، والبورجوازية والاقطاع بالعمال والفلاحين والشعب، والامتيازات بالعمل، وغيرها مثلها كثير. وأدخل التوسع والريع النفطيان نقيضين بارزين على القاموس هما الثراء (الفاحش) والفقر الناجم عن تبديد الثروة تحت أقدام الشركات المتعددة الجنسيات فالأسواق المالية فالعولمة وعجلاتها. وتخلفت عن هذه النقائض وأمثالها نقائض جديدة تناسب الاحوال الطارئة: السلفية والاسلام العادل، الارهاب والامن والاستقرار، الفوضى الخلاقة والسيادة الوطنية، الاحتلال الاجنبي والامن الاقليمي الذاتي...

وسوغ تضافرُ النقائض والأضداد هذه، وشبكها بعضها ببعض، امتداد الحرب الاهلية والعصبية وانتشار عدوى مثالها ورسمها في انحاء المجتمعات الوطنية ومرافقها وعلاقاتها. وأثر هذا في انشاء السلطة أثراً بالغاً. فأهل "الدولة" الجدد، في المشرق، استولوا على مقاليد القوة والعقد والحل من خارج موازين العلاقات الاجتماعية وكتلها. وعل خلاف مزاعمهم، أو مزاعم الأحزاب السوفياتية وكتابها ومتعلميها فيهم، لم "يمثِّل" أهل الاستيلاء مصالح كتل اجتماعية معينة، ولم يحتكموا في تسلطهم على المرافق والادارات الى المصالح المفوضة أو كتلها. فحررت التأميمات، في اعقاب مصادرة الكتل والجماعات والاقوام والاسلاك على حقوقها السياسية الاساسية (في التجمع والتعبير والتحالف والمعارضة: في تنظيم الاحزاب وإصدار الصحف والتظاهر والاضراب والتقاضي...)، الكتل والجماعات من قوامها المادي والمعنوي. فألغت التأميمات والمصادرات والاحتكارات الوسائل التي تمكن (أي كانت لتمكن) النزاعات السياسية والاجتماعية الوطنية من الحلول في اجسام وقوة وجوارح، على قول الفقهاء. وأطلقت التأميمات والمصادرات يد المستولين، وهم يلبسون لباس دولة حديثة تملك قوة تصرف وتشريع مطلقة، في المصالح كلها من غير استثناء تقريباً، ومن غير قيد أو مساومة. فالقيود التي كان ربما وسعها الحد من تصرف "الطبقة الجديدة" المطلق، على قول منشق شيوعي مبكر، هي قيود التملك (الملكيات والتصرف بها) والتبادل (التجارة) والتعاقد المدنية.

أمة الدم

وأدت مصادرة القوة الاجتماعية على مواردها ومصادر دخلها، ومصادرة الافراد والجماعات على الحقوق السياسية العامة، والامران متصلان اتصالاً وثيقاً- الى سباحة الانظمة المشرقية في فراغ أو خواء سياسي واجتماعي لا قعر له. فاستحوذت الانظمة العسكرية والحزبية المشرقية وعلى مقدرات دولها ومجتمعاتها، وعوائد مرافقها، ومقاليد القوة والادارة والتشريع والاعلام. وانتصبت حاكمة بأمرها من غير انذار أو إلغاء أو أضداد. وحملت اقتسامَ السلطة ومصادرها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على مساومة مدمرة انتحارية. ودعتها راديكاليتها الحزبية، وثورية متعلميها وكتبتها وإيديولوجييها، الى لفظ المساومة. والانظمة التي أبقت على بعض العوامل الاقتصادية، من ملكية وسائل انتاج وتجارة أو ريع، بمنأى من حيازتها أو إدارتها ورقابتها المباشرتين، حالت بين أصحابها وبين توسلهم الى التحصن في كتلة اجتماعية سياسية. وسرعان ما نقل الاستحواذ الاداري والجهازي الموارد من جماعات خاصة سافرة ومتفرقة الى جماعة خاصة مقنعة يوحدها ولاؤها واستحواذها واستعداؤها الجماعات الاخرى كلها. وحين اضطرت بعد دورة اقتصادية وسياسية طويلة، الى التخصيص أو الخصخصة حرصت على ذهاب الاصول الى خواصها وصنائعها أو الى رهطها الاقربين من غير مواربة. وسوّى الاستيلاء العسكري والحزبي هذا السياسةَ والحياة السياسية الوطنية، على شاكلة لا سابق لها. فهو (الاستيلاء) ملأ طيف السياسة المتبقي، بعد إطراح المصالح القريبة والتكتلات والاحلاف والمنازعات والاهواء، بمثال الامة الواحدة أو الشعب الواحد وخوائه.

فعلى المثال المزعوم هذا، ليست الامةُ (أو الشعبُ) المركبَ المؤتلف من أجزاء وسياقات، ومحصلة السياسة وعلاقاتها ومنازعاتها، وترعى تحصيله الموقت والمضطرب على الدوام بواسطة حياة سياسية متجددة تقوم على المنازعة المقيدة والمعارضة. فالامة على المثال المشرقي العروبي وديعة ناجزة وتامة استُودعها الحزب القائد وقائده وحاشية القائد وأذرعته. ولا تدين القيادة المستولية بمكانتها وامتيازاتها واطلاق يدها في الشؤون كلها لدراية مشهودة، أو سوابق تاريخية، أو تحالف تمثيلي جامع، أو لعوامل أخرى تقبل الاختبار والمناقشة والزيادة. فركن الاستيلاء المشرقي الاول هو قطع دابر عوامل التفريق أو التقسيم والتفاوت المفترضة، والقضاء على الجماعات التي تحرك هذه العوامل، وتتخذها مطية. وركنه الثاني هو تمهيد النتؤ والشواذ في صورة أو مثال سلطة صماء، قاهرة وجامعة، تسد على الخلافات منافذ التعبير، وتزعم لنفسها القوة على وأد المنازعات والخلافات قبل ولادتها، وتتولى التمهيد والتشذيب بالقوة والمراقبة والخوف. فصحبت الخطابة القومية العربية (و"السورية") الوحدوية التي نسبت النازع القومي الى الفطرة التلقائية والاصيلة والى المصالح العميقة، سياسة بوليسية وقمعية عرفية، فعلاً وقانوناً. وليس في الامر تناقض، أو هو لا يتناقض. فالامة على المثال الذي صاغه عليه المستولون المشرقيون، من حزبيين مدرسيين وعسكريين، كيان دموي نَسبّي ومعنوي لا يتجزأ، يدمج الاوقات والازمان بعضها ببعض، ويجمع الافراد والاسماء والاهواء في سلسلة متصلة لا يتميز فيها التذكر، على قول ميشال عفلق وقبله ادمون رباط، من الادراك الحسي في الحاضر، ولا ما يصنع البشر على تقطع وتوصيل وتبديل، مما صنعه الله ، على قول حافظ الاسد في "ما بين سوريا ولبنان"، ولا تبديل له: شعب "واحد" في دولتين الى يوم الدين وربما بعده. وهذه الامة المندمجة والمتجانسة والراسخة والجوهرية توكل الى دولتها، أي الى الحزب القائد والواحد أي الى القائد الزعيم الاوحد، تطهيرها من أعلاق الفروق والتجزئة والحواجز الداخلية المتخلفة عن الانانيات القبلية والمحلية والطبقية والاجنبية الكومبرادورية، والمعملة تمزيقاً في جسد الامة وروحها. ولا ريب في ان التمثيل الابلغ على امراض الامة والعصبيات المتقوقعة التي تتناهشها، وتنهض سداً في وجه قوتها الجامعة والغالبة المتجسدة في دولتها وجيشها، إنما هو القبائل والعشائر والمشيخات والسلطنات "العربية" المتناحرة. وعلى شاكلتها وصورتها نشأت أو أنشئت الكنائس "الغربية" والمتحدة المَلَكية (على غرار الروم المَلَكيين الكاثوثوليك) فجمعت الارض والاوقاف شأن "الاقطاعية" من دم الفلاحين والمزارعين، وراكمت "القرش" على قول ميخائيل نعيمة، وسرقت الرغيف من الكادحين، شأن الرأسماليين...

وعلى هذا، فالعدو الذي ينبغي للدولة المشرقية والعروبية ("السورية") القضاء عليه وسحقه هو "المخلفات" الاقطاعية والعشائرية والطائفية المترسبة من شبه جزيرة العرب وسلطناتها و"ملحقاتها". وإذا تصدت التأميمات والمصادرات والاحتكارات "غير الرأسمالية"، على قول سوسلوف وبونوماريف السوفياتيين والبريجنيفيين، الى تقويض الاسس المادية للجماعات الرأسمالية والبورجوازية الرجعية، الوثيقة العلاقة بالكتلة العربية الخليجية وبالامبريالية والاستعمار من ورائها، فالتصدي للعصبيات الاهلية، العائلية والمحلية والمذهبية، وكتلها ولحماتها، أصعب من اضعاف المراتب والمكانات الريعية والطبقية المحدثة بما لا يقاس.

وفي القلب من العصبيات الاهلية هذه العصبية المذهبية القومية نسبة الى القوم الاميري والنَسبي العريض والمحلية. فشن أهل الاستيلاء الحزبي والعسكري حملات محمومة على "الطائفية"، ونسبوا اليها أوزار التقسيم والاستعمار والاستشراق والتصهين والكومبرادور، الى آخر لائحة أمراض متجددة. ومثلوا بلبنان على الاوزار والامراض المميتة، وبطوائفه المسيحية وموارنته، ومآسيهم وانهياراتهم، على مفاعيلها وآثارها. والتمثيل بلبنان، و"مارونيته السياسية" المزعومة ( فيما "المارونية" اجتماعية واهلية وتاريخية وثقافية في المرتبة الاولى)، على الكوارث التي تجرها الطائفية الجوهرية على الامة ودولتها وعلى أصحاب الكفاءات والحداثة السياسية والرأسمالية نفسها، كان القناع الذي تقنع به استيلاء نخب القوم العلوي الاقلي وحزبها وجيشها العقائديان على السلطة ومرافقها، وعلى المجتمع وهيئاته. وعادت نخبُ القوم العلوي الطائفيةَ (الواحدة والمشتركة على زعمها) المارونية في لبنان، على نحو ما عادت النخب العسكرية والاسلامية المصرية وتعادي طائفيةَ الاقباط، والنخب الصدامية في العراق طائفية الشيعة.

أنقاض

والانقلاب الظاهر من عداء الطائفة المارونية والضغينة عليها الى إصلاء الطائفة والطائفية السنيتين عدواناً لا يقل عنفاً اجرائياً عن الاول قد لا يكون ظرفياً، على خلاف ما يبدو للفحص الاول. فاستيلاء نخب القوم العلوي على الدولة والمجتمع السوريين، في سياقة تقويض النظام العربي القديم ( على معنى أعرج ومثلوم مستعار من الضدين الاوروبيين: النظام القديم المرتبي الطبقي وثورة المساواة الديموقراطية) من مصر الى العراق، استتب على انقاض الكثرة السنية ونخبها الحاكمة والمتملكة وعوامها "المؤمنين". ولما افتقرت الكثرة السنية ونخبها الى حصون المجتمع المدني وخنادقه لتتحصن بها في وجه الاغتصاب العسكري والحزبي، أي العشائري والبيروقراطي في نهاية المطاف، التجأت الى حصون "المجتمع" الأهلي الحصينة وخنادقه العميقة، والوثيقة الاتصال بخنادق الامة، على معناها المتجدد و(بعض) القديم معاً، وبلدانها القريبة والبعيدة.

وحُملت على الحصون والخنادق الاهلية الطائفية، وهي قد تضطلع بصلات وصل في دوائر عريضة قدر اضطلاعها بأعمال قطع وتفريق في وجه السلطة المركزية الطاغية، الروابط الكثيرة التي شدت أجزاء الاهل والجاليات وكتل المصالح وسياسات الجماعات. فكانت ثمرة الاغتصاب العشائري والبيروقراطي المركزي في سوريا (وعلى نحو آخر في العراق ونحو ثالث في مصر) انكفاء الاهل السني المختلط والمتفرق إما الى المنظمة الاخوانية وبنيانها الحركي والمشرَع على متعلمي المدن وأهل مهنها الجامعية وحرفها وتجاراتها وأسرها المحافظة ومشرع على مراجعاتهم، وإما الى اسلام تعليمي ومسجدي وقيمي يؤول الاطوار والاحوال الطارئة والداهمة تأويلاً سكونياً ما وسعه الامر. وبين الاثنين او القطبين النموذجيين ألوان كثيرة ترعاها الطرق الصوفية وحلقات التدريس والشعائر. وصدقت قوة العصبيات الأهلية والمذهبية والقومية العرقية والقبلية المتجددة رعب "الطبقة العشائرية والبيروقراطية المستولية من مدافعة العصبيات العصية هذه سلطانها الطاغي والضعيف الأركان. وكانت "الطبقة" احتاطت لانتقال العصبيات من المدافعة الى المهاجمة بوسائل كثيرة مثل السيطرة على الحركات الفلسطينية، والإسهام في إنشاء الجماعة الخمينية المسلحة في لبنان وصوغ لبنان صوغاً جديداً في ضوء الإنشاء هذا، وتعريب مدافعة صدام حسين وحملها على حماية أنظمة الخليج من النظام المشرقي ومطامعه في الارض والنفط والنفوذ.

ولا شك في أن الثورة الايرانية (و) الخمينية قبل حرب الخليج الأولى، ثم الحرب الثانية (إخراج صدام حسين من الكويت) ثم الثالثة، وبين هاتين هجمات 11 أيلول 2001 وبروز "القاعدة" قوة إرهابية وعالمية، وبعدهما أزمة إيران النووية وذيول تصديها لأداء دور إقليمي محوري – لا شك في أن الحوادث المتصلة هذه بلورت قطبية الهلال الخصيب (المشرق) – الجزيرة (الخليج) الجغرافية السياسية على نحو لا سابق له نتوءاً وحدّة وشمولاً. فصبت في القطبية القديمة والمترجحة روافد كثيرة المصادر، ومتفاقمة التفاوت. وزادها احتداداً تآكل أنظمة الاستيلاء العشائرية والبيروقراطية، وتعاظم عوائد النفط والغاز وتعولم أدوارها في عالم كثير الأقطاب، وتقلص المحل الفلسطيني وإلحاقه بالقطب الايراني وأدواته الأهلية والجزئية، وانفجار بؤر النزاع الموضعية وشيوعها غداة انهيار القطب الشيوعي، وضعف أبنية السلطة والدولة مع تردي مشروعية الدولة – الامة وتمثيلها شعوبها وتقلص مواردها وأجهزة رعايتها، الخ. وطوال العقود الستة المنصرمة، على أقرب تقدير، دمجت الجماعات المشرقية المستولية مشروعيتها التاريخية المفترضة في قطبية جغرافية سياسية مضمرة أو معلنة، وناطت أركان سياساتها في الداخل الوطني، وفي الدوائر الاقليمية والدولية، بهذا الدمج. وسوغت عنفها المنفجر والمستتر، في الداخل والخارج، بالقسمة التاريخية والاستراتيجية هذه. فلا غرو إذا حملت العصبية "الأسدية"، في أعقاب نيف وأربعين سنة من القبول والتصديق المروعين، ولادة حركة وطنية وعامية، مترجحة الديموقراطية والمدنية، على أعمال مجموعات إرهابية قاعدية تمولها دول الخليج العربية وتسلحها، وتدربها شركات أمنية من المرتزقة والمحترفين. فهذا أضعف النكران بعد الحظوة الطويلة السالفة.