الأربعاء، 9 يناير 2013

الحل السياسي على الطريقة البوتينية والأسدية على شاكلة سكين ليشتينبيرغ... من غير نصل وفقد مقبضه



المستقبل 6/1/2013
ربما واتت التكهنات بـ"نهاية" العالم في 21 أو 23 كانون الاول 2012، على ما قوّلت جماعات أو شيع أخروية ورؤيوية قوم المايا الهندي الاميركي ما لم يقله تقويمهم الشمسي والقمري المختلط، بعض السياسيين والوسطاء والمحققين الدوليين، فتباروا في التهويل على السوريين المنتفضين والثائرين على نظام القهر والفساد والمهانة، وتوعدوهم بفظائع وعظائم تشيب لهولها الاولاد أو الولدان، على قول القصص الملحمي الشعبي. فنبه المحقق الاممي القاضي البرازيلي دي بينهيرو الى ان النزاع السوري يغلِّب الصبغة الطائفية، ويميل الى ان يكون نزاعاً طائفياً خالصاً. ولاحظ "القيصر فلاديمير" بوتين أن السوريين يتوقون، بعد حكم أسرة واحدة بلدهم طوال 42 سنة، الى اصلاح أو تغيير حقيقي يطل عليهم بشيء جديد. وأفشى القيصر الذي لم يحكم روسيا إلا 12 سنة بعد، هو وأسرة أف إس بي (الجهاز الذي خلف الكي جي بي على "أمن" الروس) "الممتدة"، أنه يحض بشار الاسد على مباشرة مثل هذا الاصلاح، وأن مصير وارث الأسرة المتسلطة لا يهمه في المرتبة الاولى وما يشغله هو الخروج من القتل وإنقاذ الدولة السورية من الانهيار. وأتم نائب وزير خارجية بوتين ما لم يقله "السيد" المتنقل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة (من يذكر أن ميدفيديف اليوم هو رئيس حكومة بوتين؟ من نسي في "عهد" ميدفيديف بالأمس أن رئيس الحكومة هو بوتين؟)، وهو أن نظام الاسد الثاني يوشك على الانهيار، ويخلف انهياره من القتل والدمار ما يفوق هولاً القتل والدمار اللذين خلفتهما مقاومته أو خلفهما صموده.
وبعد التمهيد الاممي والروسي القاتم ركض في مضمار التوقعات المخيفة حصان من خارج الشوط، على قول أهل سباق الخيل، هو فاروق الشرع، خالف عبد الحليم خدام على وزارة خارجية مزمنة ثم على نيابة رئاسة لا يعلم أحد فحواها أو مضمونها. فدعا "السيد نائب الرئيس" الحقيقي أو الشكلي، في مقابلة صحافية طيفية أو شبحية على شاكلة الصحيفة المفترضة (أو المفترضة صحيفة وهي أقرب الى مذكرة بوليسية ببرنامج عمليات يوم تهريجي أصفر) التي أجرتها ورئيس تحريرها "الرحباني" (جناح زياد الثقيل من غير غروتشو، على ما لم يلاحظ أنسي الحاج في مقارناته التسويقية - الثقافية)، الى "تسوية تاريخية" بين النظام، أي قوى الجيش والامن العاجزة عن إحراز النصر، وبين المعارضة التي لم يختصرها في السلاح والتسليح. وحمله النظام، ولو ضمناً، على الجيش والأمن، وإحجامه عن حمل المعارضة على السلاح والتسليح، ولو من غير إيضاح، "إضافتان" الى رطانة النظام السياسسية المعهودة. وتقرير الشرع استحالة إحراز أحد الطرفين انتصاراً على الآخر إضافة ثالثة، عرجاء أو ملتوية، دعت وزير الإعلام الى الحط بكلام نائب الرئيس الى مستوى رأي من آراء 23 مليون سوري خارج "المؤسسات" و"القيادة" الميمونتين والمأذونتين على حالهما في الايام الخوالي والرائعة.
وثنّى رئيس الوزراء الاسدي، وثقله السياسي قريب من ثقل نظيره الروسي اليوم، على وزير الاعلام الاسدي، فكذب تشخيص نائب الرئيس الاسدي، وقال (وائل الحلقي مديفيديف) ان سوريا "تمضي نحو اللحظة التاريخية التي تعلن انتصارها على اعدائها لترسم معالم سوريا المنشودة". وذيول "الانتصار" المرتقب والوشيك هي إعادة "بناء نظام عالمي جديد يعزز مفهوم السيادة الوطنية وتعزز مفهوم القانون الدولي". وهذا الشطر من الذيول والنتائج ندب الحلقي الى إنجازه نواباً من الجماعة الخمينية الحرسية في لبنان، فصاغوا في كنف السفير علي عبد الكريم علي مسودة محكمة دستورية دولية تراقب قرارات مجلس الامن، وفي صدارتها القرار 1559 والقرار 1678 "اللبنانيين"، وتبطلهما طبعاً وحكماً. ووعد أمير الجماعة الحرسية وخطيبها جمهوره التلفزيوني بـ"تعقيد" الصراع في سوريا واستطالته حتى يفقد العدو الامل في تغيير ميزان القوى، وكأن ميزان القوى بين دولة وبين شعبها يقوم على تكافؤ القوة العسكرية. وهذا ما يجدد البرهان عليه، مرة في اليوم، في المفترضة صحيفة، خبراؤها وكتّابها العسكريون. ومن النافذة التي فتحها "الديبلوماسي" السوري الصوري والمتنحي دخل معاً، ويداً بيد، وكيل بوتين ومفوضه على السياسة الخارجية والمبعوث العربي الدولي "للأزمة" السورية الجزائري الاخضر الابراهيمي. ودخل الاثنان المسرح السوري دخول العاصفة: فقال لافروف ما لم يقله الشرع، أو يتجرأ على قوله، وهو أن الحل السياسي، أي الاسم الآخر والمتواضع للتسوية التاريخية الرنانة "لا يزال ممكناً"، من وجه أول، ولكن اقناع بشار الاسد ورهطه الأقربين بالتنحي عن السلطة، وهو ما يترتب سياسياً على الإقرار بأن نهج ذر الطاعون الذي انتهجه الرئيس والرهط أخفق، متعذر أو ممتنع، من وجه ثان. وحذر لافروف من "الجحيم" الذي يفتح أبوابه رفض المعارضة مفاوضة (بقية) الرئيس على مصير السوريين في ختام نحو سنتين من استدراجه هؤلاء الى الاقتتال والجموح إلى أقاصي التدمير المتبادل واضطلاعه بالدور الاول والراجح في الجموح هذا وفي القوة على التدمير والقتل. فلا يحاسب الرجل ونظام أبيه على الهاوية التي رمى فيها حمق بنيان النظام وتوحده المنغلق الجماعات السورية. ولا تحمل ثورة السوريين على علاقتها بالنظام وجوابها عنه. وتذرع مساعد بوتين بصورة الحال، على النحو الذي رسمها عليه، الى تشخيص أسدي للمشكلة: المشهد السوري هو ثمرة "اتساع نطاق الارهاب الذي دخل على خطة تنظيم (القاعدة)، وهو يستخدم سوريا لتطبيق اهدافه، و(الصراع) ينحو منحى طائفياً متعاظماً".
وعلى هذا، فالعملية السياسية المزمعة تنيط "وقف العنف" بحوار بين الاطراف المتنازعة: بين بقية الرئيس الاسد الموشك على الانهيار، بحسب بوغدانوف نائب لافروف، ورافض مناقشة التنحي والراغب في البقاء بسوريا والموت فيها، على ما نوه لافروف من قبل، بين أنقاضها المتفحمة وفي دوامة ملايين لاجئيها ومهجريها وجائعيها ومنفييها وبين الارهابيين المتسعين والطائفيين والقاعديين المنفردين بالنفوذ و"التأثير في الصراع العسكري داخل سوريا"، على خلاف المعارضة الخارجية المجردة من "أدوات التأثير" والمدعوة الى المحاورة. وهذا سوريالي، نسبة الى "سوريالية" بيكاسو وليس الى سوريا والسوريالوجيا (على غرار كرملينولوجيا الحرب الباردة السوفياتي): وزير خارجية دولة عظمى سابقة وناشئة تتولى تسليح وتدريب وإعداد الجهاز العسكري المتين الذي تقاوم به عصبيةٌ متسلطة حركة مدنية وديموقراطية عامية وتثخن في البشر والحجر، يدعو الى الحوار السياسي معارضة من غير تأثير وحاكماً "لا يريد تغيير موقفه (ويقول) انه سيظل في مواقعه ويدافع عن مصالح شعبه" (ولا يتهكم لافروف على طول باع هكذا زعم في السياسة) ويتمسك ببيروقراطيته المسلحة والمنظمة وبألوية موته وعشيره ، ويتوعد المعارضة بـ"جحيم" فظيع إذا هي لم ترضخ لـ"حوار" يشبه سكين ليشتنبيرغ: من غير نصل وفقد مقبضه. وأما المعارضة الارهابية، وهي مفتاح بوابات الجحيم الموعود، فهذه "لا تكَّلم"، على قول علماء الحديث في المجروحين، وهي "ليست بشيء"، على قولهم كذلك. ولكن يقدِّر الوزير اللامع، وخليفة فيشينسكي سفير ستالين الدائم الى الامم المتحدة وقاضي العدالة الستالينية الاستثنائية، أن رضوخ "الائتلاف" لشرط المفاوضة الاسدي البوتيني قمين بتبديد "اللاشيء" هذا.
فعلى هذه الصيغة أو هذا الرسم، يضطلع الوعد الروسي بالجحيم، والتثنية الخضراء الابراهيمية عليه وإحصاؤها عداً ونقداً محصلة القتلى بـ100 ألف في غضون سنة واحدة، يضطلعان بدور واضح هو جلب المعارضة السياسية المؤتلفة، والمجردة من قاعدتها الشعبية المختلطة والذاتية التلقائية، المولودة من التصدي الميداني لعدوان الجهاز العسكري والاهلي على العامة السورية، جلبها الى طاولة الإذعان للطاغية "الشاب" وذي الباع الطويل في "السياسة"، على ما يفهمها الموظف الشيوعي والسوفياتي السابق: "الاستماع مباشرة" الى دعوة لافروف السوريالية من غير واسطة "الغرب" و"إيعازه".
ولاقت استعارة وزير بوتين (صاحب غروزني وولي قديروف)، الجحيم الموعود، هوى عميقاً في نفس الوسيط الدولي والعربي، جامع المجد من طرفيه: سؤدد المجتمع الدولي وأخوة الجامعة العربية. فاستعادها وزاد عليها الارقام المهولة، وضرب التردي الداخلي بالتردي الاقليمي المنتظر. وزينها بشيء من الحلي البوتيني: فكرر أن السوريين يرغبون بعد 40 سنة من حكم متصل ومضجر من غير شك في اصلاح ينقلهم من نظام رئاسي واحد الى نظام برلماني ونيابي كثير أو متعدد يتولاه "الشعب السوري" نفسه، من طريق مرحلة انتقالية، بديهة، الى بر الامان. وخلص الى قاعدة استراتيجية ذهبية: "إذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم والحل السياسي، يتعين علينا جميعاً أن نعمل بلا كلل من أجل حل سياسي". ولم ينسَ "الصراع الطائفي" وأثره "المرعب" في وضع البلاد الصعب والمعقد. وبقيت معضلة الانتقال، وهو قلب الحل السياسي والتسوية التاريخية، من غير جواب، ومن غير رضا بوتين ووزيره: فبشار الاسد "يفاوض" بجهازه العسكري والامني ورديفه الاهلي العصبي ائتلافاً سياسياً يفتقر، على زعم الاسد، الى قوام ميداني وشعبي مشروع، ويقوم مقام جماعات مسلحة إرهابية تدين بسلاحها وحربها وأموالها الى بعض دول الخليج والغرب واسرائيل. ويشترط "ابن الاسد"، على قول مولى لبناني عائلي، بقاءه ودوامه وبقاء جهازيه وسلاحهما، وترشحه الى انتخابات 2014 الرئاسية و"الدستورية"، ونزع سلاح المعارضة الحربي والسياسي ورضوخها لنعتها بالارهاب والعمالة والاصطناع والطائفية. فهي (المعارضة) غير جديرة بالمفاوضة السياسية، وغير أهل لها، إلا إذا خرجت من طورها وإهابها السياسيين الشعبيين والعسكريين وأقرت النظام على مشروعيته السياسية الوطنية والتاريخية من غير تحفظ.
ووضعُ دوام الحركة السورية المعارضة صنو الجحيم، وتحميلها ضمناً أو صراحة التبعة الباهظة عن دوام العدوان العسكري ورديفه الاهلي على الجماعات السورية وعن رفض "المفاوضة" المزعومة، وإغفال التفاوت بين كفتي الحزبين المتنازعين والمتصارعين ومشروعيتهما السياسيتين هذه المعادلات المضمرة والمراوغة تُشهَرُ سلاحاً في وجه الحركة الشعبية، وتستبق التسوية وتبطلها. وهي تشبه سياسات سورية سابقة. فيوم خرج موفد أميركي في 1989 الى حافظ الاسد بقول خَيّرَ اللبنانيين المتقاتلين في رعاية "الراعي السوري" (على قول ذليل درج على اقلام الاعلاميين "الوطنيين") وحليفه الايراني وصنوه الاسرائيلي بين "مخايل الضاهر (مرشح الاسد الى الرئاسة) أو الفوضى"، ألقى قولُ الموفد، نقلاً عن الراعي، المسؤولية عن الفوضى على "الحزب" اللبناني الساعي في التحرر من السياسة والاحتلال الاسديين المدمرين. وتولى الاخضر الابراهيمي التوسط العربي المعيب في تجنب الفوضى: فأثمر التوسط "العهد" السوري الاسدي والجحيم والفوضى معاً.
وعلى هذه السنة أو السنن جرت السياسة السوفياتية في اثناء الحرب الباردة: فزعمت أن تسلحها الصاروخي وغير التقليدي (النووي) القصير المدى ونصبها صواريخ مسرح وقصيرة المدى هددت ألمانيا الغربية يومها ووسط أوروبا تهديداً مباشراً، إنما هو "في خدمة السلم"، فإذا تظاهر الألمان والتشيكيون والمجريون المهددون بأسلحة الاستفزاز هذه حمل تظاهرهم على الانصياع للعدوان الغربي، وحمل تظاهر الغربيين المندد بالصواريخ الاميركية المضادة على جبهة نصرة "السلام" السوفياتي. وفضح قول ميتران الفرنسي في 1983 "السوريالية" السوفياتية: الصواريخ في الشرق والمتظاهرون في الغرب. ووصف أحد المراقبين التهديد السوفياتي بالسعي في اصابة العدو بالدوار وفي احراز انتصار من غير تكبد حرب. ووظيفة التسوية السياسية على الطريقة البوتينية والاسدية، والابراهيمية مواربة وتورية وتهريباً، هي إقرار الطاغية الضرير على طغيانه وعمله وتعويله على انتصار وشيك ومرجأ لا الى غاية أو وقت.

http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=553845

ليست هناك تعليقات: