الأحد، 15 فبراير 2009

أردوغان ومسألة «حماس» السياسية

الحياة - 07/02/09
النواة الصلبة والسياسية من رأي رئيس الوزراء التركي أردوغان في إسرائيل والحرب على «حماس» وغزة، هي ما قاله الى «واشنطن بوست» الأميركية في الأول من شباط (فبراير): «ليست حركة حماس ذراعاً لإيران في المنطقة. وهي شاركت في الانتخابات (التشريعية الفلسطينية في 2006) في صفة حزب سياسي. ولو أتاح لها العالم فرصة العمل كحزب سياسي غداة فوزها في الانتخابات لما انتهى الوضع التي انتهى اليه اليوم». وقد لا يتفق هذا القول اتفاقاً تاماً والخطاب الذي ألقاه في جمهور مستقبليه بمطار اسطنبول، صبيحة الجمعة 30 كانون الثاني (يناير) عائداً من دافوس. وبعض هذا الجمهور نقلته حافلات مجانية وكان في انتظاره موظفو البلدية التي كانت رئاستها باب أردوغان الى العمل السياسي الوطني.فهو قال لمستقبليه الصباحيين إنه يلوم جمهور دافوس على تصنيفه لبيريز، الرئيس الإسرائيلي «بعدما فقد المئات من الأطفال في غزة حياتهم على أيدي الإسرائيليين». وسأل بيريس رئيس الحكومة التركية عن رده على مطلقي الصواريخ على اسطنبول، لو قيض لهؤلاء ان يملكوا مثل هذه الصواريخ، وأن يطلقوها من أحياء مدن مكتظة بالأولاد والنساء. فرد رئيس الوزراء بأنه لن يعود الى دافوس ما دام مكلمه يتحدث بصوت مرتفع ومهين، ولا يحترم مكانة تركيا وشعبها، وما دام مدير الجلسة قصر وقت كلامه على 12 دقيقة نظير 25 الرئيس الإسرائيلي.وأعادت السجالات والمناقشات والمقالات التركية والإسرائيلية الخلاف الى موضوعه الأول وهو: ماذا يصنع بـ «حماس»؟ والإجابة عن السؤال بالقول ان «حماس» جزء من العملية السياسية، إقرار بأن اسطنبول، وهي «صديقة» غير خفية للحركة الإسلامية الفلسطينية، وتوسطت بينها وبين القاهرة في أثناء حرب غزة، تتمتع بدالة إضافية في ديبلوماسيتها الشرق الأوسطية، الى دالة وساطتها بين الدولة العبرية وبين سورية بشار الأسد. وتعزز الإضافة هذه مكانتها بإزاء أوروبا والسياسة الأميركية المنتظرة في وقت تتعاظم فيه المشاغل المؤدية الى الشرق الأوسط وتلك الصادرة عنه أو المنطلقة منه. وتركيا في القلب منها.والإجابة عن السؤال نفسه بالقول إن «حماس» حركة إرهابية، وأداة بيد إيران وسياستها الشرق الأوسطية، الأمنية والنووية، يبطل شطراً راجحاً من دور تركيا المتوقع، في المفاوضات الآتية، على الجبهة المزدوجة الديبلوماسية والسياسية معاً. وهذا تمييز لم ينكره أردوغان في اجتماعه الى نواب حزب العدالة والتنمية، في 3 شباط، وبدا فيه مسلِّماً بأنه قدَّم مكانة تركيا السياسية و «احترامها» على دورها الديبلوماسي وقد يترتب على الإجابة الثانية، وحمل «حماس» على الإرهاب طعن في نهج تعامل السياسة التركية مع الحركة الفلسطينية المسلحة والمنشقة. فيضعف الموقف التركي، وتنقلب «الورقة» الديبلوماسية الى موطن ضعف تجاه الاتحاد الأوروبي. ويحقق ذلك خشية أوروبا من وقوعها على حدود سورية وايران إذا هي ضمت تركيا اليها.وعلى هذا، فإلقاء تبعة مشادة أردوغان وبيريز على «أطفال غزة» و «مكانة تركيا» ذريعة ماهرة، على المحلي من المشادة. وقد لا يفقد الديبلوماسية التركية التي يتولاها علي بابا جان ويتولى شطراً آخر منها الرئيس التركي عبدالله غل - والاثنان، الى قيادة الجيش، ترجح موقفهما بين المجاراة وبين التحفظ - قد لا يفقدها حدها القاطع، والحاجة اليها. ولكنه أي إلقاء التبعة، لا يسهم كثيراً في حل معضلة «حماس»، وإدخالها في العملية السياسية. وعندما يذهب رئيس الوزراء التركي الى أن الحركة الإسلامية الفلسطينية والمسلحة لم تعط فرصة البرهان على صفتها السياسية فهو، على أضعف تقدير، يدور الزوايا، ويبالغ في اللطف.فـ «حركة المقاومة الإسلامية» بنت سطوتها، وقوتها التمثيلية، وقيادتها العسكرية والاجتماعية والإيديولوجية، أو التحريضية، على القتال. وشطر غالب من القتال هذا هو عمليات القنابل البشرية في 2001 - 2002. ولم يلجم هذا الضرب من العمليات إلا بالجدار الأمني، وقضمه 8 في المئة من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة. وجزت الجماهير الفلسطينية «حماس» خيراً على قتالها هذا. فقدمتها على «فتح»، وسلطتها، في الانتخابات البلدية أولاً، ثم في الانتخابات التشريعية، أوائل 2006. وكانت الحركة نددت بـ «انتخابات أوسلو» في 1996 وقاطعتها. فغلبتها الانتخابية هي نظير غلبة «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» (حركة أبو مصعب الزرقاوي ومولى «الشيخ» أسامة بن لادن، لمن نسوا) لو قيض لـ «القاعدة الجهاد» أن تدوم بعض الوقت، وتميل الى «النضج» أو التكتم، وتشبّه على العراقيين تمثيلهم والكلام باسمهم.والحق أن وزير خارجية أردوغان، علي بابا جان، يصوغ المسألة على الطريقة هذه: «على حماس أن تقرر هل تريد أن تبقى منظمة مسلحة أم حركة سياسية». ولم يقل توني بلير، وسيط الرباعية الدولي، رأياً آخر مختلفاً حين طلب الى «حماس» الدخول في العملية السياسية. ولكن «العقيدة» الديبلوماسية التركية، وهي صاغها أحمد داود أوغلو مستشار أردوغان، ترفع لواء «الدمج» أو الإدخال، على نقيض الاستبعاد: إدخال سورية في الصفقة الشرق الأوسطية، إدخال إيران في المقايضة الدولية، إدخال روسيا في المفاوضة على مستقبل القوقاز... وفي ديبلوماسية «الإدخال» هذه، يفترض المستشار النافذ أن ثمة ما يدعو الأطراف «المستبعدين» الى طلب الإدخال: فالنخب الروسية الجديدة تملك مصالح كثيرة في الغرب ويحسن التلويح لها برعاية مصالح.والمعضلة في حال «حماس» هي تشخيص المصالح التي قد تدعوها الى دخول عملية سياسية خرجت منها طوعاً، وصفقت الباب وراءها، في حزيران (يونيو) 2007. وانفردت بالسلطة، والقوة العسكرية والأمنية والإدارية والرقابية، وأبطلت الحياة السياسية التي جاءت بها الى الحكم قبل سنة ونصف السنة. وجعلت غزة مسرح رماية وكمائن دائماً. ودخلت الحركة المسلحة الانقسام العربي والإقليمي على نحو لا يُرى معه كيف خروجها من ورطتها، وورطة الفلسطينيين، المتفاقمة. فإذا كان رجب طيب أردوان يرى خريطة الخروج من الورطة، وخطوتها الأولى استجابة الشرط «السياسي» عن طريق وديعة تودعه «حماس» إياها ربما، فربما أدرك المراقب ما يعنيه «إدخال» الحركة الإسلامية و «دمجها». فينجلي إذ ذاك الاشتباه الذي حاط «حركة» أردوغان بدافوس، وقرنها بـ «حركة» منتظر الزيدي أمام أنظار «الجماهير» المحتفلة والمبتهجة.

ليست هناك تعليقات: