الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

مرض الوزير الباشكاتب حين أشكلت عليه إرادة المرشد المبرقع

المستقبل 20/10/2023

قرأ احد ابرز السياسيين الديبلوماسيين في ايران، السيد محمد جواد ظريف، وزير خارجية الرئيس الجديد والمنتخب في الدورة الاولى بعدد اصوات ساوى ما جمعه منافسوه جميعاً، وهم بعض أبرز سدنة الجمهورية الخمينية الامامية الاثني عشرية، على ما اثبت دستورها بالحرف- قرأ في صحيفة "كيهان" شبه الرسمية عنواناً أول (مانشيت)، عريضاً ومفصلاً، يبلِّغ الجمهور على الملأ أن الوزير أقر بأن المحاورة الهاتفية بين الرئيس الشيخ حجة الاسلام حسن روحاني وبين باراك أوباما، الرئيس الاميركي الخامس والاربعين، والاول على وشك الاقلاع من مطار نيويورك قافلاً الى إيران، "لم تكن مناسبة"، وأن "المحادثات الطويلة" بينه وبين محمد جواد ظريف وبين جون كيري، نظيره الاميركي، "خطأ في خطأ". وطُبعت إدانة حسن شريعتمداري في صدر الصحيفة اليومية في 8 تشرين الاول، الشهر الجاري، غداة عودة الفريق الرئاسي الديبلوماسي الايراني "منتصراً" من دورة هيئة الامم المتحدة العامة، الثامنة والستين، والخطابة فيها.
وفي الاثناء أو قبلها بقليل (في 6 تشرين الاول)، التأمت لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني، وناقشت تقريراً أعده وزير الخارجية العتيد، تناول فيه رحلته ورئيسه الميمونة والمظفرة الى مدينة مقر الامم المتحدة. وتعد اللجنة بضع عشرة نائباً شوروياً، بينهم حسين نقوي حسيني، وهو من السادة على ما ينم اسمه أو تنم أسماؤه. وفيهم، حكماً، رئيس اللجنة، الثابت في رئاستها ثبات رفسنجاني في بعض رئاسته، الشيخ بروجُردي، وهو من وجوه "النظام" البارزة. وإليهما، ثمة منصور حقيقت- بور، نائب رئيس اللجنة، والمتغيب عن الجلسة على الاغلب. فلما قرأ الوزير عناوين "كيهان"، وهي صحيفة على سبيل المجاز مثل بعض الصحف المحلية الهستيرية وورقة تبليغ أمنية وإدارية في غد وشيك إن لم يكن اليوم، كتب على حائطه في وسيلة الاتصال الاجتماعي الاشهر، "فايسبوك"، أنه أصيب، في اليوم نفسه، بـ"ألم شديد في الظهر والساقين (أم الركبتين؟) و(عجز) عن المشي أو الجلوس"، فاضطر الى إلغاء مواعيد واعدها في مقر وزارة الخارجية.
ولكن "4-5 ساعات من الإخلاد الى الراحة لم تعالج المشكلة"، على قوله. فذهب الديبلوماسي القلق والمرهق من محادثاته الطويلة مع وزير شرس على شاكلة جون كيري، وهي دامت نحو 45 دقيقة أو 2700 ثانية (على ما كان الجنرال الرئيس إميل لحود أحصى)، الى المستشفى وعرض جسمه، أو بالأحرى نفسه المعذبة على آلة تصوير بالرنين المغناطيسي، وليس على آلة تصوير بالاشعة السينية العامية والتافهة على نحو ما تصنع العامة الآمنة من تحريض "كيهان" و"مانشيتاتها" المدمرة. فأفشى الرنين المغناطيسي سر الالم الشديد في الظهر، وهو آية الصلابة والتماسك والسند، وفي الركبتين، وهما من آلات الرجولة والثبات في أبدان المحاربين الفرسان. وقال (الرنين): ان مشكلتـ(ك) سببها إرهاق وتشنج عضلات". وعلى غرار العرافات والعرافين أو الكاهنات والكهنة، أوصى أو أمر الرنين العائد من نيويورك غازياً (على قول أنصار طيب رجب اردوغان في بطلهم حين عودته من دافوس في 2009 ومقاطعته شمعون بيريس الاسرائيلي بالمعالجة) "بواسطة مزاولة الرياضة".
وتطرق المفاوض الحديد(ي) الى الجمل الأربع التي صدرها حسين شريعتمداري "حميم" المرشد آية الله العظمى والسيد حاج آغا (وهي ألقابه المضمونة) علي خامنئي الموسوي، ووكيله على رأس "كيهان"، ولسانه في القضايا القومية الكبيرة مثل "قضية" البحرين وإيرانيتها التاريخية صحيفتَه، فلاحظ هادئاً ومنصفاً، أن "ساعة ونصف الساعة من المحادثات الجدية والصريحة والخاصة (لا تلخص) بأربع عبارات لا يتماشى مضمونها مع ما (قاله)". ويلوم صاحب الحساب "الاتصالي" من "يقضون من تلقاء أنفسهم في نزاهة (الآخرين)"، ويدعون ولاءً خاصاً للمرشد، وصدوراً عن إرادته وإدانته المفترضة. ويختم المفاوض المؤتمن على بلوغ أجهزة تخصيب اليورانيوم في الخنادق الجبلية الحصينة بفوردو بعد نانطنز عتبة الخصوبة النووية العسكرية بقول عميقٍ عمق المراوغة والمكر "الإلهيين" والخامنئيين استطراداً وفيضاً: "ألم يبن لهم أن المرشد، لو أراد، لكان أعرب عن موقفه واضحاً من غير لبس؟".
وهذا بيت القصيد. المرشد ومقاصده وعزائمه ومسالك إبانته عن هذه وتلك. والمرشد من لحم ودم، وجُبِل من طين ولم يجبل من نور، على قول أثر من آثار "المعصومين" في جبلَّتهم هم الاثنا عشر المكتوبون بنور أخضر على قائم العرش. وهو حاضر، ملء البصر والعين، وكلامه ملء السمع، وبلاغته ملء العقول والصدور والافهام. وحضوره أو شهوده، في لغة القوم ومصطلحهم، يحمله السفيرُ الدولي الايراني والمفاوض القديم الذي يتذكر الامين العام لجامعة الدول العربية المغمور نبيل العربي لطفه ودماثته (وجه "المرونة" من "المرونة البطولية")، على غيب أو غيبة تنطوي على معاني لا يسبر غورها. فالغالب على الشاشات البيض ومحطات الاذاعة والمواقع الالكترونية من غير منازع، والخارج على الدوام منتصراً من الاشتباكات الانتخابية الايرانية و"ليل نقعها" حين لا شمس ولا قمر إلا جبين المرشد ووجهه الصبوح، هو نفسه لم يستبن لأقرب المقربين إليه، وهم ألسنته وأذرعته وأعصابه وهم "عيناه" (خميني في "الباسدران")، ما أراده، وما بيَّنه، وما تعمد الإغماض فيه والاشارة، وربما الجمجمة على طريقة عرف بها الاعاجم على زعم العرب قبل الشعوبية.
والمناقشة في "إرادة" المرشد ومعاني "بيانه" كأنها عود على بدايات الكلام الاسلامي:" فأراد (هل أراد الله) أن يُعصى؟"، سأل واحدهم وقد وقف في مسألة حرية المخلوق في ارتكاب المعصية والله خالق السماوات والارض وحوادثهما، وذهب ضمناً الى أن حمل المعصية على الخالق، وتحميلها المخلوق، خُلف أخلاقي لا يحتمل. فرد الآخر: "أفعُصي كارهاً؟"، مرغماً ومضطراً وهو الجبار وقاهر الجبارين، على ما ذكرت بيانات "الجهاد الاسلامي" حين ابتدأ "الجهاد" العتيد، في 1985، جهاده الإلهي فخطف فيمن خطف ميشال سورا، المستشرق "البشع"، والمنكر جبروت القاهر، والحاجب نور العرش بيده. والسؤالان وجهان جدليان لاستحالتين متماسكتين منطقياً، وتماسكهما قرينة على خلوهما من قضية يقضي فيها الرأي من طريق التجريب والاختبار.
والرأي أو الحكم من طريق التجريب والاختبار في إرادة المرشد وقصده، في مسألة المفاوضة على السياسة النووية والعسكرية الايرانية، ممتنع أو مستحيل أو متناقض، على رغم أن الفقيه وولي "المسلمين" وأمورهم حي يرزق، ويستعجل فرج إمام الزمان مثلنا كلنا وهو يصرف الامور الثقيلة، مثل محمد خاتمي ومير حسين موسوي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وغيرهم مثلهم، نيابة عنه. والقرينة الدامغة على جدلية المقاصد الخامنئية، وإيجابها أو إثباتها الحقيقة في الضدين والرأيين، هي تملص "الواقعة"، موضوع الاختبار والتجريب المفترضين، من الرواية والخبر. فما دار أو حصل في لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في 6 تشرين الاول من عام السعد 2013 (م)، ودام ساعة ونصف الساعة، على أحد قولين، وحضره الوزير والنواب الشورويون وفيهم حسن نقوي حسيني ومنصور حقيقت- بور، يعصى الرواية المحكمة، على ما يقال في التفسير أو على ما قالت المعتزلة، ويترجح أو يتعثر في الرواية المشتبهة، على قولهم كذلك. فيصر مخبر "كيهان" ومدارِها الشرعي، النائب حقيقت-بور، على ان وزير روحاني قال ان المحادثة الهاتفية بين الرئيسين غير مناسبة وأنه، هو الوزير، استرسل في محادثة نظيره الاميركي اللعين واستمرأ. ويصر النائب حسين نقوي حسيني، الناطق باسم اللجنة، على "ضعف" الخبر الكيهاني، والشريعتمداري تالياً، والخامنئي من بعد لو جاز الرفع الى "الحلقة" الاولى او السبب غير المشروط.
وهذا ليس لاهوتاً، بل هو ناسوت خالص على قول حسن قبيسي. وهو ناسوت، على معنى لاهوتي، أي "طبيعة" بشرية وإنسية، وجسد من لحم ودم وعظم وأعصاب، مرة أخرى. فإنكار المنكرين، من نواب شورويين سمعوا بآذانهم ورأوا بأم العين، وتصديق المصدقين وهم شأن المنكرين سمعوا ورأوا، على قول الانجيلي، هذا الانكار أنزل "المرض" والوهن في معاون الرئيس الايراني على تصريف الشؤون والعلاقات والعداوات والحروب الخارجية. فمرض الرجل- وهو صاحب رجال أشداء خاضوا بحوراً من الدماء والاشلاء في العقود الثلاثة ونصف العقد التي انصرمت منذ شباط 1979، وقتلوا وقُتلوا واغتالوا واغتيلوا، ونصب أعينهم منذ عقدين من الزمن تقريباً امتلاك السلاح "الاعظم" والقاضي في "القرار الاخير"- حين أذاعت صحيفة "يحجب" صاحبها أو مديرها بابَ المرشد أو الولي، ويميط بعض الحجاب عن مكنون سره وإرادته وقصده.
و"مرض" محمد جواد ظريف، التقني ووزير التدبير والتنفيذ من غير تكليف (وهي أبواب من الاحكام السلطانية نبهت اليها مقدمات رضوان السيد في "التراث"، من غير تخصيص)، سبق أن تناوله أحد الأناسين الفرنسيين الاوائل، مارسيل موس، في عشرينات القرن العشرين. وخصه ببحث فحص عن موت (لا قدر الله!) أناس استراليين أوائل أو أصيلين، من بعض قبائل أهل البلاد، يقودهم الى حتفهم حسبانهم أو يقينهم بأنهم "ملعونون"، وأن لاعِنَهم أفلح في استمالة قوة سحرية نافذة الى جانبه. فلا جدوى من مقاومة الإصابة ومعاندتها، ومن التمسك بأسباب الحياة والبقاء على قيدها. فينتحي الموقن باللعنة ناحية من قرية قبيله وأهله، ويقطع أواصره وروابطه بهم وبمعاشهم، ويقلص حركاته وسعيه الى أقل القليل. وينقطع من الصيد والحرب والكلام والطعام والمخالطة، ويقبض تنفسه، ويثوي على احد جنبيه، ويغرق في سبات عميق لا يشبه "نعاس" الموت بين الاهل، على زعم جبور الدويهي في أقاصيصه الاولى.
ولا يصدق القول في الميت لعنةً أو ملعوناً انه انتحر، أو أنه قتل نفسه عمداً. فـ"الانتحار الغيري"، على خلاف "الانتحار الأناني"، على ما سماهما إميل دوركهايم (خال مارسيل موس قرابةً)، مشروط بفعل معلوم النتيجة هو الارتماء فيما يؤدي الى موت محقق مثل تفجير حزام ناسف أو سيارة مفخخة... أما الميت ملعوناً فيدخل سيرورة بطيئة وطويلة تُسْلمه الى ثأر لاعِنه، وقوة سحره المميتة، من سبل أو طرق لا علم له بها. فالفاعل، في هذا المعرض، خفي القصد والارادة، تلفه غيبة تحجبه عن الافهام والتعليل. ولا يستقيم الخفاء والغيبة والحجاب إلا في إطار "عالم" أو "دنيا" خلقهما خالق مفارق تلتبس معاني خليقته، وبالأحرى أن تلتبس معانيه هو، على مخلوقاته الفاهمة والعاقلة. فمدحت كتب آداب السياسة "المدنية" المدونة بالعربية والمتداولة في مجتمعات غلب عليها الحكام المسلمون، وهي معظمها فارسي، حسن غوص الوزير على معاني الحوادث المشتبهة والحيل التي جبلت منها، وجبل منها البشر وشؤونهم.
والوزير ظريف، شأن ملايين من المريدين المقاتلين ("المبارزين") وغير المقاتلين، يسعى بين ظهراني اجتماع سياسي موكول به التشابه. وعموم المتشابهات يحمل "الناس"، المريدين والانصار والباسدران والباسيج والمتحزبين، على قطع الأنفاس بين يدي المحتجب أو المبرقع، وهو اسمه في إحدى قصص بورخيس أو "خيالاته". فهو الفقيه، العارف، وهو ولي العمل أو الأعمال. وهم، المريدون والأنصار...، يضبطون أعمالهم على إرادات ومقاصد يختلفون على تفسير متشابهها، ويقتتلون فيه. والمبرقع "يمسك" عالم المريدين والانصار والجنود "أن يسوخ"، على قول محمد بن علي الباقر، ويلحم نثاره وشراذمه في اجتماع أو مجتمع. فلا يدين أهل هذا المجتمع، "الإمامي"، لإمامهم ومرشدهم ونائب صاحب زمانهم ونبيهم "المستمر"، بلُحمتهم وحسب، بل يدينون له بـ"كيانهم" أو "كينونتهم". فهم "نحن"، وليسوا هملاً وعمى وفوضى من غير هوية ولا مرجع تقليد وضبط وفهم وعمل، من طريقه. فإذا اختل فهمهم إرادته، أو حسبوا أن فهمها اشكل عليهم، "مرضوا" و"ساخوا": ضعفت ظهورهم واصطكت ركابهم، واستحال عليهم تقرير ما قيل وما لم يقل، وتبلبلت ألسنتهم في انتظار تصدي المرشد الإمام العدل لتقويمها.

وبعيداً من طهران ونيويورك، على المنقلب الشرقي والشمالي من الهضبة الايرانية وما يليها من بلاد القوقاز، روت البيلاروسية (الروسية البيضاء) سفيلتانا ألكسييفيتش، وهي روسية الاقامة والرحلة والعمل (الأدبي والصحافي) سير مئات من أمثاله أو أشباه محمد جواد ظريف، على هذا القدر أو ذاك من الشبه والمثل. ووسمت كتابها بـ"نهاية الانسان الاحمر أو زمن الخيبة" (بالفرنسية، عن "أكت سود"، باريس، 2013، أيلول، وطبع بالروسية في السنة نفسها، بفروميا، موسكو). وفي أخبار سفيلتانا ألكسييفيتش يموت نساء ورجال كثيرون، على شاكلة موت "ملعوني" مارسيل موسل الاستراليين، اشتباهاً وإشكالاً وفهماً مستوحداً، إذا جازت العبارة، غداة موت ستالين فعلاً، وانهيار المجد السوفياتي والامبراطورية والوطن، وحسر التاريخ برقعه ولثامه عن بحور دماء وجبال اشلاء امتنع صرف معناها أو استغلق. وقد يستحق هذا فصلاً آخر أو عجالة أخرى.
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=591536

ليست هناك تعليقات: