الأحد، 15 فبراير 2015

في أعقاب الإغتيالين الإسرائيلي والحزب اللهي...المسرح الفرعي اللبناني بديلاً من الحرب الرأسية الإقليمية




المستقبل15/2/2015
ثأرت قوات الجماعة الخمينية والحرسية المسلحة (المعروفة باسم «حزب الله» لبنان)، في 28 كانون الثاني المنصرم، من غارة جوية اسرائيلية على موكب عسكري حرسي، لبناني- ايراني، بالقنيطرة قتلت في 18 من الشهر، 7 من أفراده. وطوال الايام العشرة المنصرمة بين الغارة الاسرائيلية على الموكب الحرسي المختلط وبين الثأر الحزب اللهي «اللبناني، أجمع المعلقون والمراقبون، ومعهم سواد الناس، على حتمية الرد، من وجه، وعلى عسر توقع زمانه ومكانه، من وجه آخر. وأما حتمية الرد، وضرورته بحسب كثر، فسندها تعهد أمير الجماعة المسلحة، قبل الغارة الجوية الاسرائيلية بيوم أو يومين، الرد على ضربات «الاسرائيلي» وغاراته من الاراضي السورية على مخازن سلاح وقوات مواكبة، بالغاً ما بلغ الثمن.

وما يسميه الجندي في جيش الامام المرشد، وأنصار الجندي ومرشده وإمامه، «معادلة الردع» في العلاقة العسكرية بين الدولة العبرية وبين الفصيل الحرسي في لبنان هو ثمرة إعداد وقتال مريرين وباهظين تولتهما طهران وولدا المنظمة الحرسية المحلية، ومعها الشيعة اللبنانيين على صورة طائفة سياسية وعسكرية منفصلة ومتحكمة مذهبية. وكانت حرب صيف 2006 «الخاصة» (على معنى الملكية الخاصة) التكريس الخصوصي والثقيل الوطأة والتكلفة للـ»معادلة». وقضت هذه، من طريق القرار 1701، بحصانة الاراضي اللبنانية من الهجمات الاسرائيلية لقاء ما يقرب من نزع سلاح الجماعة الحرسية العلني على اراضي ما كان «دولة» الضابطين اللبنانيين المتمردين سعد حداد ثم انطوان لحد قبل 1982، اي الاجتياح الاسرائيلي، وبعدها (الى ايار 2000). وذيل القرار العتيد الاعوام المنقضية بين الجلاء الاسرائيلي وبين مبادرة الجماعة الى الحرب في تموز، تولت الجماعة في اثنائها «تحرير» مزارع شبعا، وظاهرها على توليها الخاص والمنفرد وعلى تكليفها الايراني والسوري «الشقيقُ» السوري ونظامُه «السوري اللبناني» وتسلطه على اللبنانيين وهيئاتهم ومصالحهم. فأخرج جبل عامل من المسرح الحربي، وناط بالمفاوضة والتحكيم الدوليين البت في مصير مزارع شبعا وترسيم الشطر القليل المتبقي من الخط الازرق.

وأما ترك مكان الرد الحتمي او الضروري الى تقدير القيادة الحرسية، المحلية والايرانية، واعتباره وجهاً أو جزءاً من صلاحيات القيادة المطلقة، فهو احتيال على ميزان القوة الاسرائيلي الحزب اللهي المادي والمباشر، ومراوغة اقتضاها القرار 1701 وقصره مسرح الاشتباك والمساومة المشروع على جزء المزارع الذي لم يرسم في انتظار بت ترجحه المتعمد بين الملكية اللبنانية والملكية السورية. فـ»الهرب» الى الارجنتين مرتين، في 1992 و1994 (وأصداء قتل 85 شخصاً في رابطة التعاونية الاسرائيلية الارجنتينية ترددت في اغتيال قاضي التحقيق، في 18 كانون الثاني 2015 ببيونس آيريس) رداً على قتل سلاح الجو الاسرائيلي عباس الموسوي، خالف صبحي الطفيلي على أمانة الجماعة المسلحة العامة، والى صوفيا البلغارية ونيقوسيا القبرصية في 2010 و2011، رداً على اغتيال الموساد عماد مغنية تجنب إشعال حرب لا يعرف حجمها على الحدود الدولية المشتركة، ويسدد الاهالي، المدنيون، معظم ثمنها. ولا ريب أنه ينبغي إضافة «السبب السوري» في الإلتجاء الى الارجنتين، أي رغبة الوصي المحتل في قصر الأعمال العسكرية التي كان يرعاها رعاية سياسية واقليمية قريبة على مسألة الاحتلال الاسرائيلي وتبعاته، دون فروعه الفصائلية إذا جازت العبارة.

والحق أن مكان العمليات الحزب اللهية، رداً على العمليات الاسرائيلية أو مبادرةً الى استدراجها (على شاكلة استدراج 2006)، جزء راجح من دور العمليات، والمراد بها، وتوزيع أكلافها، والدلالة على محركها والموصي بها. فإلى عام 2000، عام الجلاء الاسرائيلي، بسطت الجماعة الخمينية المسلحة، في إشراف سياسي سوري قريب، إدارتها العسكرية والامنية على مسرح عمليات قام من «الجبهة الاسرائيلية الشمالية»- الواحدة في عرف القوات الاسرائيلية يومها، والمستعيدة وحدتها الخطابية واللفظية وربما الاجرائية، اليوم، تحت لافتة «نهاية تفكيك الجبهات«- محل أو مقام المسرح الاحتياطي أو الفرعي. فبعد حرب تشرين الاول 1973، لم يتستر حافظ الاسد على إرادته قفل الجبهة السورية، ووداع الحرب عليها، على ما نوه مرات عبدالحليم خدام وزير خارجيته ثم نائبه على الرئاسة وعلى ما شهد سكون الجبهة وبلداتها المدمرة عقوداً متطاولة لم تنته فصولاً في 2013-2014.

واستتبع الارادة الاسدية المتحفظة، في سوريا، فتحُ الجبهة اللبنانية، والنفخ فيها، واستثمار التورط الفلسطيني والاسرائيلي فيها، والتوسل بها الى تقويض الجيش اللبناني والدولة من ورائه. ولما آذنت القيادة الخمينية الايرانية بتوسيع الحرب العراقية الايرانية الى ثورة وجهاد إقليميين، ومنازعة أو صراع على الهيمنة القومية المذهبية على المشرق، تصدر المسرح اللبناني، خطوطاً أمامية جنوبية وبقاعية «غربية» وخطوطاً خلفية، سياسة التأليب الخمينية الاسدية على المهادنة والخيانة العربيتين (وراء عراق صدام حسين) في المسألة الفلسطينية. ولكن سياسة حافظ الاسد اقتصرت على حرب طياحة او عصابات موضعية لا تتخطى إضعاف الدولة والمجتمع اللبنانيين على شفير انهيارهما، وإعمال الجماعة الحرسية المحلية في إزكاء حرب وطنية وإقليمية «منخفضة الحدة». فلا تدعو نارها وخسائرها العدو الى حسمها من طريق حرب إقليمية واسعة يسدد نظام حافظ الاسد ثمنها انهياراً سورياً تاماً، وتحرج السيطرة الاميركية على الشرق الاوسط، وعلاقاتها الاقليمية المقيمة على التوتر.

واقتضت السياسة المركبة والمتفاوتة هذه استبعاد حرب رأسية ومباشرة بين عدوين مرنين ولزجين. ولم يكن يسع إيران الخمينية فالخامنئية، والحرسية على الدوام، التنصل من السياسة المركبة التي تولت الاجهزة الاسدي صوغها وترتيبها. فالقاعدة والواسطة السوريتان، الجغرافيتان والسياسيتان، حلقتان حيويتان، ولا غنى لسياسة إيران «الامبريالية» أو الكسروية عنهما يومذاك (وحين سأل «الحزب» الاسدي في لبنان وغيره، منكراً نسبة اغتيال رفيق الحريري إليه، ومتذرعاً بالخسائر التي نزلت به غداة الاغتيال وجراءه: كيف يمكن أن نفعل ما عاد علينا بالضرر وأخرجنا من لبنان؟ قد يسوغ القول أو الرد اليوم في ضوء الوقائع الاقليمية منذ 2005 وضوء تحقيقات المحكمة الدولية: أليس تعاظم سلطان إيران الحرسية، بعد انتفاء أو ضعف المقاسمة والقيد السوريين، وانفرادها بتسليط شفرتها اللبنانية على التحركات العسكرية الاسرائيلية، «برهاناً» وافياً على مصلحة القيادة الحرسية في الاغتيال؟ وهذا طبعاً ليس إلا على سبيل المحاكاة الاسدية والخامنئية الحرسية للبراهين والادلة).

وها هو الانفجار المشرقي الاقليمي يجدد، على نحو مباين أو مختلف، تكامل القطبين: قيام المسرح اللبناني الفرعي محل الحرب الرأسية الاسرائيلية السورية. فإذا التزمت الضربات السورية النطاق السوري، ولم تتعدَّ قصف شحنات العتاد الحربي والصاروخي المطور الى الحزب الحرسي المسلح في لبنان، بقيت الضربات هذه من غير جواب «لبناني» محلي ولو قضى فيها بين الوقت والوقت جنرال إيراني (على شاكلة سلف لمحمد علي الله دادي قضى قبل نحو سنتين بضاحية دمشقية تكرر قصفها). وحين تخطى القصف «الحمى» السوري المباح، بعين عطا في آب الماضي، الى الحرم اللبناني، تذرعت الجماعة المسلحة المحلية بالتخطي، أو قواعد الاشتباك على ما يهوى حرسيو الولاية «اللبنانية» القول، فتذرعت باغتيال أحد خبرائها قريباً من عدلون الساحلية، وجزته تفجيراً غفلاً في مزارع شبعا الرحبة.

وليس ثمة فرق كبير أو حاد بين تبادل الاغتيالات الاخير وبين أركان سياسة المسرح الفرعي أو الاحتياطي التي انتهجتها الديبلوماسية الاسدية المسلحة الى حين جلاء القوات الاسرائيلية عن الالف كلم المربعة التي احتلتها هذه الى عام 2000. وذلك على رغم الفرق الكبير والصارخ في أحوال سوريا، الاسدية وغير الاسدية. فإذا كان يعقل، في ميزان منطق سياسي وعسكري عادي أو متوسط، أن ترد الغرضية أو العصابات الاسدية على انتهاك المروحية الاسرائيلية «ضيافتها» على اراضيها خبراء عسكريين حرسيين مختلطين، وسيادتها الوطنية المتزمتة في العادة، تالياً، أوجب التحرر من هذا المنطق «الشَهْوَرَة» المسرحية المفرطة التي أخرجها خبراء التضليل والاعلام المعمي والاتصال الخطابي في «الحزب» الحرسي. وذلك لأن مجابهة رأسية بين سلاح البراميل والخزانات والحاويات المتفجرة «السوري» وبين سلاح الجو الاسرائيلي- والجهاز الاسدي لا يزال يأتمن نفسه على ما يزعمه دولةً في سوريا- قمينة بأن تودي بالمطارات العسكرية والآليات وسلاسل التحكم والعمليات الاسدية المتبقية.

وحين ناقش بعض وزراء القائد الكيماوي الاغتيال الاسرائيلي، عشية 18 كانون الثاني، العملية التي أصابت ضيوفهم، احتجوا لتحفظهم البادي، والمستثقل حماسة الخطباء الطازجة، بثلاث حجج: 1)العدوان وجه من سياسة وحال إقليميتين ولا يرد على الاقليمي بـ»الوطني» القطري، 2) تكلفة الاستقرار الاقليمي أقل من تكلفة الاضطراب، 3) حماية «سوريا» و»دولتها» هي ميزان جواب الاغتيال ولا يتقدم عليه معيار آخر. والحق أن «زلزال» 28 كانون الثاني 2015 بشبعا، على ميزان القيادة الحرسية الحذرة بطهران ومقياسها الناعم- في ضوء «الملاحم» العاصفة والمشهودة-، لم يخرج عن الاشتراطات التي ساقها لسان مأذون من ألسنة زعيم البراميل المجيد والمهيب (من ألقاب صدام حسين في مرحلة الأفول)-. وعلى هذا، حمى الحرسي الوطني والمحلي اللبناني الاول حليفَ وليه الباهظَ والثقيل، وراعيه المباشر طوال نيف وعقدين من السنين الخصبة والمباركة، من الانهيار السريع. ولكنه، من وجه آخر ملازم، حمى رعيته المنقادة والمكلومة والميقنة بقرب ظهور مهديها (ومن علامات اليوم سطوع عبقرية الجنرال قاسمي وبعض «جنوده») من انتصار «غزاوي» وحمساوي كاسح كان أصاب الرعية وأجهز على الرعايا الآخرين من «حلفائنا»، على ما لم يفت «الامير» الرضي والمبتسم والساخر التنبيه والتنويه في معرض احصائه دوافع (وليس موانع) الحرب التي لا يريدها ولا يخشاها.

وبعض غرابة كمين المزارع، آن الاعلان عن وصل الجبهات ودمجها- ومن غير القول أن الرد على العملية بالاراضي السورية على أرض لبنانية يُعكس أي قد يرد الحزب الحرسي على عملية «لبنانية» في الجولان المحتل أو في صفد وريفها-، أن الرد المتصل تَحصَّن بلبنان ودولته وكيان الدولة العتيدة والمرذولة (« روحوا عملوا دولة وبعدين منشوف...»). وهذا من قبيل الحذر الحكيم، وبعضهم يصفه بالجبن والتناقض. ففي حرب «المقاومة الاسلامية» الايرانية التموزية على الدولة العبرية، اختبرت الاولى الحماية التي وفرها الكنف اللبناني الكريه، من طريق 14 آذار والكتلة «الحريرية» البرلمانية والوزارية والشعبية المقيتة، للحزب الذي استدرج العدو عمداً الى الحرب، وألحق باللبنانيين خسائر ثقيلة، وباء هو وحده بـ»معادلة ردع» أسبغت عليه بعض الحماية. وهو، أي الحزب الاسلامي- الايراني، يختبر «المعادلة» المفترضة من غير تهور، ويحيط اختباره بتأثيرات صوتية، على ما يقال في السينمار، نووية.

ويميل الواحد، في ضوء التعليقات والردود اللبنانية الاخيرة والسابقة، الى التماس بعض العذر للحزب الحرسي المسلح. فهو يغامر برد حذر من غير شك، ولكنه لا يضمن ضبط أو استباق تداعيات «غزاوية» أو تموزية (2006)، بالغاً ما بلغت دقة التخطيط والتصويب والسلاح المستعمل. والسبب، على الارجح، في المغامرة وجوازها، على رغم الكارثة السياسية والانسانية التي قد تترتب عليها، هو جواب اللبنانيين ورئاستهم عن سوابق الجماعة الحرسية الوطنية. وهذا الجواب غلبت عليه على الدوام الغفلة عن سياسة الحزب الخميني والشيعي المسلح. فلم يسبق أن تداعى اللبنانيون، قلوا أو كثروا، الى جزاء مجازفات المنظمة العسكرية والامنية الحرسية ومغامرتها بحيواتهم وأمنهم وأرزاقهم واجتماعهم السياسي، حصاراً، أو مقاطعة مدنية، أو إضراباً، في اثناء العمل العسكري أو بعده. واقتصر الامر على تنديد لفظي وخطابي، وعلى تذكير بالمؤسسات، وهي ما يزدريه «المكر» والمراوغة الحزبيان أشد الازدراء وأوقحه.


والحق أن الشق من الردع المتبادل والحقيقي، على خلاف انكار الخصوم الوطنيين، يقضي بإحجام الطرف المدجج بالسلاح المدمر لقاء إحجام الطرف المليء الجعبة بالصواريخ المؤذية. وكافأ هلعنا أي هلعُ اللبنانيين المتراكضين الى بيوتهم بين الساعة الواحدة بعد الظهر وبين الساعة الرابعة يوم الاربعاء في 28 الشهر الاول من العام الجاري، هلعَ سكان المستوطنات والبلدات الاسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية في الوقت الواحد. وتكافؤ الهلع شرط من شروط فاعلية الردع الاجرائية. وليس في آخر مطاف الردع لا مهدي ولا ولاية ولا حقيقة. لا غرو ولا فخر!
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=649995

ليست هناك تعليقات: