الأحد، 30 سبتمبر 2012

أجنحة عسكرية وبنوك رهائن ومعازل وديبلوماسيات موازية وسيطرة مفقودة وإعلام رقيع ... سياسات "العشيرة ـ الأمة" وحال الغيبوبة

المستقبل - الاحد 30 /9/ 2012


حين تندد عشيرة أو عائلة، أو بلدة، بمرتكب فعلة مشينة وثقيلة مثل القتل أو الاغتصاب، غالباً ما يلبس تنديدها القاطع لباس التبرؤ من صاحب الفعلة، وإخراجه من جسم العشيرة، وقطع نسبه أو سببه المعنوي بها. فهو ليس منها، وهي لا تعدّه نسيباً أو قريباً أو سبباً، ومثله "تضامنها" معه، وتحميل المسؤولية عنه دولة وشعباً شقيقين أو عدوين. والمعنى في الحالين ملتبس وغامض. فإذا أرادت القول انها، جميعاً وجسماً متماسكاً، ليست ضالعة في الفعلة، ولا تتحمل تبعة أو مسؤولية عنها، فقولها هذا فائت، ومعلق، قانوناً وقضاءً وحتى عرفاً. فالقانون والقضاء لا يحملان جريمة مثل القتل أو مثل الاغتصاب، ولا غيرهما مثل السرقة والتهديد بالسلاح...، على غير مرتكبها الفرد أو مرتكبيها الأفراد الأعيان. وإذا لم تعمد العشيرة الى التضامن وصاحب الفعلة المرتكِب فهي حكماً براء منه. وإذا لم يثبت ان للعشيرة جسماً أو قواماً مادياً فاعلاً، واحداً ومشتركاً، غير اسمها وأواصر القرابة والمصاهرة والجوار وحقوق هذه العرفية، فإعلانها تنصلها من صاحب الفعلة، ورذله والبراءة منه على الملأ، لا يعدو البعث الصوري واللفظي لكيان عفّى عليه "الزمن"، وهو في هذا المعرض انقلاب الاجتماع من طور أهلي وعصبي جميعي الى طور قانوني فردي و"بورجوازي" (مديني ومدني).

ولا يخلو البعث الشكلي واللفظي من بعض الحقيقة والقوة، ففي وجوه ودوائر كثيرة من المعاملات والعلاقات والأحوال- أبرزها ربما المسماة الأحوال الشخصية، وهي مشتركة عامة ويصدر أصحابها عن معايير متوارثة وملزمة أوكلوا البت فيها الى سلك فقهي ثابت-، على "صاحب" المعاملة أو العلاقة الانقياد الى الأحكام والمعايير الكلية والقاطعة. وإذا تخطت الوجوه والدوائر دائرة العصب أو القرابة أو الجوار، وقضت في مسائل عامة أوسع من هذه الدوائر، فمعاييرها على العموم هي نفسها معايير هذه الدوائر. فالزواج والتطليق والتوريث ودية الدم وحكم النسب والخلع منه تتصدرها كلها أعراف الجماعات وحدودها. وهي قد تتقدم أحكام الشرع وتبطله في مسائل حاسمة مثل توريث النساء واحتساب الديات، طوال قرون، فلا يسع الشرع وأهله إلا مجاراة الأعراف والصدوع بتمويهها و"حيلها" والإفتاء بجوازها.

والحق أن البراءة والنسبة تصدران عن تقديم العصب وتضامنه، أو لحمته، على المسؤولية الفردية أو الشخصية. فحين تخرج العشيرة واحداً فرداً منها، أو تحتفل بواحد فردٍ آخر، وبمرتبة عالية كسبها من طريق حظوة أو إنجاز أو خدمة أو "شهادة"، فهي تزعم أن الأفعال، في ميزان التقبيح والتحسين، لا يصنعها أصحابها وحدهم، ولا يتحملون التبعة عنها وحدهم كذلك. وهم، إذا دينوا بما فعلوا أو مُدحوا، يذهب شطر راجح من الإدانة أو المديح إلى الجماعة الأقرب، الدموية والنَّسَبية، التي وُلدوا منها وفيها، ويعرِّفهم اسمها.

فالعصبية عذر مخفف قوي إذا أعملت في تفسير أو تسويغ أفعال يعاقب عليها القانون، ويجازي أصحابها جزاءً قاسياً. وهي صنو القصور سناً أو عقلاً في الأفعال المتعمدة والإرادية، وتكافئ الإقدام على الفعل في حال الغيبوبة عن النفس وخروجها من "مِلك" صاحبها. والعصبية، من وجه آخر، عامل لا يضارع عاملٌ آخر أثرَه في حمل الآحاد الأفراد على "التحرر" من حدود فرديتهم وقيودها ومسؤولياتها والانقياد لها. وهو ينصب الفرد الواحد قبساً من كيان عظيم وراسخ وشريف وبعضاً من فيض هذا الكيان. وعلى هذا، فالدعوة الى الفداء والشهادة والموت دون العصبية وكيانها غالباً مستجابة. ويستجيبها الأولاد والفتيان والشباب قبل غيرهم، على ما شهدت بعض فصول "انتفاضة الأقصى" الفلسطينية بغزة في مراحلها الأولى، ولا تتردد النساء، أمهات أو عزباوات أبكاراً، في تلبيتها جذلات فرحات.

ولعل انقلاب الحزب السياسي جماعةً أهلية، أو عشيرة منظمة وجامعة، توحدها رابطة العصب، فيصدر أفرادها وآحادها عنها يداً واحدة، وتحل هي فيهم حلولاً يستوفي "وجودهم" ودواعيه وغاياته - لعل الانقلاب هذا هو قبلة سعي محموم تستثمر فيه وتوظف آلات الدعوة والافتتان والأهواء والإعالة والرشوة والترهيب على مقادير متفاوتة. والتنديد بـ"النتن" العصبي، على ما كان سيد قطب يقول ويذكِّر، لم يحل بين الجماعات "الإسلامية"، على اختلاف فرق الجماعات وشيعها ومذاهبها، وبين تحزيب المناصرين والمريدين والمجنّدين على مثال عصبي ودموي راسخ.

ويرعى هذا المثال اتحاد جسم الجماعة، المشتت والمنقسم أساساً والمؤتلف من وحدات متعارضة، يرعى اتحاداً مصطنعاً عليه أن يغالب، على الدوام، افتراق الأهل أو العشير قبيلاً نظير قبيل آخر، وتعظيم ضدٍ شديد الشبه به. ويترتب على هذه الحال، "العربية"، ترجح وتردد مرهقان وأليمان بين مثال وحدة عريضة وشاملة لا يبلغ وبين فُرقة أصلية تتطاول إلى الوحدات النواتية الضيقة. فعلى شاكلة براءة العشيرة أو العائلة من قاتل أو مغتصب، أو مرتكب كبيرة تتهدد عدداً كبيراً من الناس بفشو "طاعون" الثارات فيهم، أو "خائن"، طعنت مشيخة الجماعة الخمينية المسلحة بلبنان (وهي معروفة باسمها المتواضع والمتحفظ، "حزب الله" الى خط فاصل - ثم لبنان)، في 2004، بولاء أحد موظفيها الصحافيين. والسبب في الطعن هو مقال كتبه الإعلامي، العَلَم على جماعته الأهلية والسياسية، في صحيفة صديقة، أي موالية يعيب ولاءها اقتسامها إياه وأولياءَ آخرين.

وكتب الرجل مقاله عشية زيارة محمد خاتمي، الرئيس الإيراني، لبنان، وخطبته أصدقاء "الجمهورية الإسلامية" المحليين إلى أنصارها ومحازبيها. وكان خاتمي في أواخر ولايته الثانية، وغرضَ حملة تحريض وتسفيه جارحة في بلده و"دولته" مهدت لخلافته الوشيكة وهزيمة اصحابه، واعتلاء الحرسي الأمني محمود أحمدي نجاد الرئاسة. واختار الإعلامي الحزبي (اللهي، على حسبانه) الكتابة في فرع من فروع المسألة الحسينية، على مثال شيوعي حزبي مجرب يقضي بامتحان الولاء في مسألة راهنة (هي الرأي في خاتمي) أو جهره من طريق الكلام في مسألة "مبدئية" (هي رواية جزء من محنة أرض الكر والبلاء).

ولم تخطئ مشيخة الجماعة الأمنية والمسلحة معنى رواية الجزء على الشاكلة التي رواها عليها الموظف الإعلامي في الصحيفة الصديقة. فقضت فيها بـ"انحراف" ضده وهو الخاتمي. فأُقيل الموظف من عمله أو استُقيل. وأذيع على الملأ خبر الإقالة - الاستقالة وبراءة جهاز الإعلام، وأولياء أمر الجهاز من الانحراف المقيت. فالسكوت عن الانحراف، أو اللين في التنديد به وقصر التنديد على إجراء يقل عن نفي المنحرف، وعن إفراده ولفظه وتقيوئه، تواطؤ ومحاباة في الحق وعلى الحق. وقطع مرتب الموظف عنه.

وكان في وسع الجهاز حمل فعل الموظف على خطأ مهني ووظيفي "رأسمالي"، وحمل جزائه على عقوبة قصوى تقر بها قوانين العمل ولا تأنف من وصفها بالتعسف. ولكن هذا الرأي يُغفل وجهاً جوهرياً من وجوه "الثقافة" العصبية وموازين أحكامها. ويقضي الوجه بأن الفاعل، وهو الموظف العامل والمجاز الناشط، والمؤمن المجاهد، ونزيل الديرة (الحي أو الربع)، وابن العائلة وفروع هذه الحال (الولد والزوج والأب والأخ وابن العم...)، وأخيراً المرء الإنسان أو الإنسي- هذه الأحوال أو الوجوه هي واحد لا يتجزأ ولا يتبعّض ولا يتميز في "نظر" الثقافة العصبية وفي حسبانها وحسبتها.

وعلى هذا، لم تطرد مشيخةُ الجماعة - الأمة المنحرفَ الخاتمي من عمله وحسب. فنفته من حزبه وأمة حزبه (وهو حزب ليس كالأحزاب ولا يفيد معنى الجزء أو الفرقة وينتسب مباشرة الى الواحد الأحد)، وطردته أو فصلته. وعمَّ الطعن في المنحرف الرأي والولاء، وخائن الأمانة الناكص، والركيك الإيمان، ولدَه وابنه القاصر سناً. فبلغ الأولادَ أصحاب الولد في مدرسته (العصبية) وصفه، رأيُ الجهاز ومشيخته في والد الولد، صاحبهم وملاعبهم وزميلهم. فعزلوا الولد، ونفوه من حلقات لعبهم ودرسهم، و"أخبروه" ما صنع والده ويستحق عليه، وهو معه، الرذل والعزل والتعزير. ولم يروِ الوالدُ والصحافي المرذول ما حلَّ بالولد، وما وسعه فهمه وإدراكه وتعليله من محنة الطعن في استقالة والده وهويته، وشموله هو بالمحنة.

وحمل الوالد المكلوم أسرته وسافر بها إلى بلد من بلدان ضفة الخليج العربية. ولكن المهاجر إلى أرض حرب، قياساً على معتقده ومعتقد حزبه، لم ينفك حارساً على باب مشيخة جماعته، وكاتباً بقلمها الى غداة صيف 2006، على التقليل. فمذذاك لم أقرأ لـ"صاحبنا"، أو فيه، ما يصل خيط الخبر المنقطع.

ونظير خبر الإعلامي الخاتمي وحاله، خبر متصل عن جماعة مقلدي المرجع الراحل محمد حسين فضل الله. فبعد استدراج بعض أنصار خامنئي، المنتصب للتقليد بعد وفاة آراكي، فضل الله الى الإدلاء برأي في شفاعة بعض أهل البيت لا يراه إيرانيون كثر، قام مقلدو خامنئي، وهم متصدرو الجماعة الخمينية المسلحة ومجتمعها الأهلي والعصبي، على المرجع، وطعنوا في مرجعيته وفتواه وتقليده، وأَصْلَوا مقلّديه العداء، على نحو ما يتقن أمثالهم العداء. فطردوهم من أعمالهم وموارد رزقهم حيث قدروا. وزرعوا الشقاق في الأسرة الواحدة انتصاراً لمرجع تقليدهم على "السيد". وأحاطوا بالريبة والشك من وسعهم إحاطته بهما. وأفتوا بـ"كراهة" مخالطة مقلدي مخالف صاحبهم ومجالستهم. وهو، "العالم" الراحل، منهم ومن رهطهم بمنزلة السند والدعامة و"الوصي". ولكن كلمة رأس الجهاز هي الفصل. ولم يتعلق الأمر بسفارة ولا بسفير، ولا بزيارة إلى دار حرب، ولا بنصرة مخالفين. فهذه ذرائع تكفيريين.

وتجاوزُ تهمة الوالد الصحافي الى "جرح" الولد القاصر قرينة بشعة وفظيعة على إرادة إيذاء وإيقاع ضرر لا قيد عليها من تمييز أخلاقي، أو "أدبي" (على معنى آداب المعاملة). ومن آداب المعاملة، وهي في باب الحرب، تمييز غير المحارب المدني من الحربي المسلح والمقاتل، وتمييز العاجز من المقتدر، والقاصر من الراشد، والمشهر صفته (بواسطة اللباس مثلاً) من كاتمها... وترمي آداب المعاملة، أو آداب الحرب، الى تقييد الانتصار والحؤول دون إلغاء صفة المتعاقد من المنهزم حين يأزف وقت "المعاهدة" والتزام العهود والاتفاقات في ختام الحرب. و"آداب الحرب، تلجم نازعها الحيواني الى محو العمران وأبنيته وأخلاقه، وتحتسب فيما تحتسب وقت ما بعد الحرب والاحتكام الى "السَّلَم" على القول القرآني. وختام الحرب ما لا يرضخ له أهل "العشيرة - الامة".

فليس، على هذا، وراء الجماعة، الضيقة أو الواسعة والعريضة، النسبية والإيمانية الاعتقادية، دائرة إنسانية أو إنسية كونية تتخطى الجماعة العينية، وقد تدعوها الى النظر في ما تشترك فيه معها، ومع جماعاتها الأخرى، من معايير وأحكام ومصالح.

والنظر في المشتركات أو القواسم يدعو الجماعات، أمماً و"ممالك" أو دولاً، الى مناقشة معايير أو ضوابط وقيم مركبة وجامعة. وتدعو هذه ملتزميها والصادعين بها الى التخلي عن أجزاء من سيادتهم أو ولايتهم السياسية. وهو قاد إلى إلغاء الرق والعبودية وحظر الإتجار بالبشر، وإلى الخطو خطوات على طريق هيئات عدالة دولية. وحظَّر انتشار السلاح النووي وسلاح الدمار الشامل وراقبه، وقيد المراقبة التجارية غير المشروعة، وألزم الدول والمجتمعات و"الثقافات" الإقرار بحقوق فردية أساسية عامة لا استثناء فيها أو منها. والاستماتة في إيجاب الخصوصية القومية والدينية والتاريخية، ونصبُها فوق "الجميع": القوانين والأعراف والعقل والقواسم المشتركة المحتملة وخلافات الجماعة (الوطنية أو الدينية) الواحدة وكثرة مكوناتها، يترتب عليهما (الاستماتة والنصب) التلويح المزمن والمقيم بأمر ونهي مُطْبقين وساحقين. ويحل لأصحاب الأمر والنهي، نيابة عن الجماعة المفترضة، استئصال منتهكها، وجارح وجدان الجماعة وروحها بانتهاكه.

ولا يستقيم هذا المذهب إلا إذا استولى على وجدان الجماعة من تُسلمُ له الجماعة قيادَها، طوعاً، وهو طوع محكوم بكثير من الاضطرار، أو كرهاً، وهو كره قوي الشبه بالانقياد التلقائي. فيستقوي صاحب الجماعة عليها، ويخلبها ويفتنها. وهذا قرينة على أن الجماعات المطمئنة، وغير المهددة، قلما يحلو لها تنصيب "سائس" ساحر وشديد القبضة عليها، ينسيها انقساماتها طبقات: طبقةَ الخواص و"البيت" وطبقة العوام، طبقة أهل القوة وطبقة أهل الضعف، أهل اليسار وأهل العوز... ويسرع السائس الساحر، وأهل طبقته، إلى نفي الانقسام، وتحجير الجماعة على معنى يتولاه أهل "الإمارة" والسياسة المتسلطون. وليس مثل الحرب الماضية والقائمة والمعلقة والموعودة، والمطلقة، سنداً لتحجير الجماعة ومعيناً لا ينضب لحجج التحجير، وأسبابه ودواعيه.

وحرب مثل هذه تفترض شرطاً عسيراً، يتعاظم عسره في عالمنا، العالم المعاصر الذي تسوده العولمة المزعومة اميركية وليبرالية أو "نيو" ليبرالية استزادة من النظر الحاد والمرهف والجارح. وهذا الشرط هو الرجوع في التداخل والتشابك، وفي استدخال المجتمعات وتهجينها بعضها بعضاً وترك "الحمائية" على معانيها الكثيرة، والعودة عن تعريف دول هذه المجتمعات السيادة أو الولاية على توسع، على قول المفسرين. والكلام في العولمة، مديحاً أو ذماً أو تحفظاً أو تنقلاً بين هذه المنازل، يستدعي انفعال أهل "العشائر" وغيظهم وهجاءهم. فيعتلون أسوار ديراتهم وحيطانها المنقوبة، و"يدبون" الصوت على ديكتاتورية الاسواق، وتسليع البشر ونفوسهم ومشاعرهم وانتهاك كراماتهم، واستنفاد موارد الطبيعة، وتلويث غلاف الكوكب الأرضي، وتوسيع الهوة بين الجماعات والافراد وتعظيم التفاوت بين هؤلاء وتلك.

ويعلِّم كتّاب "العشائر" وخطباؤها، وهم طليعة "الثورة العالمية" الاشتراكية والقومية، الامم المتخبطة في تيه الليبرالية وصحاريها كيف تستعيد الامم لحماتها ومسكاتها، وتنشر العدالة الاجتماعية في بواديها وأريافها وحواضرها وفي طبقاتها، وتقر دولها وأجهزتها على سيادة وسلطة صارمتين، وعلى ديموقراطية لا تشوبها شائبة من إفراط أو تفريط. ولا بأس بالتمثيل بسوريا، قبل عهد عبدالله الدردري وبعده، على المثال المنشود، وبمديح الضفيرة البعثية الايديولوجية وجمعها ما يشتهي أهل الدنيا والآخرة وما لا بد لهم من اشتهائه. فرأس الشر هو الاختلاط و"النسبية" والتردد على "العشائر" الأخرى بغرض غير فضحها، واستقبال جواسيسها في عقر دار الأهل والربع. وأما النظر في عاداتها وأفكارها و"علومها"، غير النووية والصاروخية الباليستية والكيميائية، فـ"تعسف" و"نجاسة" و"عار" وحقارة"، على قول بعض نافخي الربابة وهازي الدف في أعراس نصر شديدة الشبه بالمآتم والمساخر.

والتحلل من العشيرة وولائها المرصوص وانكفائها، ولو دعا التحلل الى ميل حيي الى محمد خاتمي، أو الى تقليد جنرال مجرب وأمين من جنرالات الاجتهاد غير صاحب اللقب الرسمي والجهازي، أو الى تحريم "الشبيه" على ما أفتى محسن الامين قبل 90 عاماً فأخرجته فتواه من النجف الى "خرائب" دمشق، أو الى التشكك في جواز الحرب الهجومية بعد تحرير الأرض الوطنية على ما رأى حسن قمي وكلبيكاني من كبار مدرسي قم في 1982...، ولو لم يعدُ هذا الى قتال الوالغين في دماء أهلهم الى ذقونهم ومبددي أموالهم ومواردهم على آلات استعبادهم وموتهم ودمارهم - يبث (التحلل) الذعر في نفوس اهل القوة وجنودهم وخدمهم وحشمهم و"شعرائهم". فالاختلاط أو استدخال الغريب النفس يضعف القوم ودعوى الحروب الاهلية والخارجية، وينكر صراحة الاصول والانسان والجماعات، ويشق الجماعة العصبية ويذررها، ويحرض على إجماع إلزام من غير إكراه، ويحمل على الرأي واجتهاده، ويمتحن علل الحياة الهشة ويقلبّها على وجوهها، ويسوغ الخلاف ويرسي السياسة على معالجته، ويغني اللغة ويكثر اللهجات فلا تقتصر على الوعيد والتوحيد، ويهدم المراتب المتحجرة. ولعل باكورة ما يصنعه التحلل من العشيرة إقالة خطباء السفه والطهر المجازين من منابرهم.
http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=541016

ليست هناك تعليقات: